للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حراكًا ولا استنصارًا ولا فكاكًا مما هم فيه، أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين من عباده؟ التي أعدها لهم وجعلها لهم جزاء ومصيرًا على ما أطاعوه في الدنيا، وجعل مآلهم إليها ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ﴾ من الملاذ من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ومناظر، وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد، وهم في ذلك خالدون أبدًا دائمًا سرمدًا بلا انقطاع ولا زوال ولا انقضاء ولا يبغون عنها حولًا، وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم وأحسن به إليهم، ولهذا قال: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ أي: لا بدّ أن يقع وأن يكون كما حكاه أبو جعفر بن جرير، عن بعض علماء العربية أن معنى قوله: ﴿وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ أي: وعدًا واجبًا (١).

وقال ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ يقول: سلوا الذي وعدتكم - أو قال وعدناكم - ننجز وعدهم وتنجزوه (٢).

وقال محمد بن كعب القرظي في قوله: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ إن الملائكة تسأل لهم ذلك ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ﴾ [غافر: ٨] (٣).

وقال أبو حازم إذا كان يوم القيامة، قال المؤمنون: ربنا عملنا لك بالذي أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا، فذلك قوله: ﴿وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ وهذا المقام في هذه السورة من ذكر النار، ثم التنبيه على حال أهل الجنة، كما ذكر تعالى في سورة الصافات حل أهل الجنة وما فيها من النضرة والحبور، ثم قال: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠)[الصافات].

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (١٩)

يقول تعالى مخبرًا عما يقع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم من عبدوا من دون الله من الملائكة وغيرهم، فقال: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.

قال مجاهد: هو عيسى والعزير والملائكة (٤). ﴿فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ﴾ الآية؛ أي فيقول للمعبودين: أأنتم دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني، أم هم عبدوكم من


(١) ذكره الطبري، ومعناه أنه هو سبحانه أوجبه على نفسه، وهذا من رحمته الواسعة.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن جريح عن عطاء، وهو الخراساني كما صرّح الطبري به، وسنده ضعيف لأن عطاء لم يسمع من ابن عباس.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سعيد بن أبي هلال عن محمد بن كعب القرظي.
(٤) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.