للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تلقاء أنفسهم من غير دعوة منكم لهم؟ كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ الآيات [المائدة: ١١٦، ١١٧]، ولهذا قال تعالى مخبرًا عما يجيب به المعبودون يوم القيامة ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ قرأ الأكثرون بفتح النون من قوله: ﴿نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ أي: ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدًا سواك لا نحن ولا هم، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك، بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا، ونحن برآء منهم ومن عبادتهم، كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١)[سبأ]، وقال آخرون: "ما كان ينبغي لنا نتخذ (١) من دونك من أولياء" أي: ما ينبغي لأحد أن يعبدنا فإنا عبيد لك فقراء إليك، وهي قريبة المعنى من الأولى ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ﴾ أي: طال عليهم العمر حتى نسوا الذكر؛ أي نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك.

﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾ قال ابن عباس: أي هلكى (٢).

وقال الحسن البصري ومالك، عن الزهري: أي لا خير فيهم (٣).

وقال ابن الزبعري حين أسلم:

يا رسول المليك إن لساني … راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور

إذ أجاري الشيطان في سنن الغـ … ــي ومن مال ميله مثبور

وقال الله تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ﴾ أي: فقد كذبكم الذين عبدتم من دون الله فيما زعمتم أنهم لكم أولياء وأنهم يقربونكم إلى الله زلفى، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (٦)[الأحقاف].

وقوله: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا﴾ أي: لا يقدرون على صرف العذاب عنهم ولا الانتصار لأنفسهم ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ﴾ أي: يشرك بالله ﴿نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾.

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (٢٠)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين: أنهم كانوا يأكلون الطعام ويحتاجون إلى التغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك بمناف لحالهم


(١) والقراءتان بالفتح والرفع متواترتان.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٣) قول الحسن البصري أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.