للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآيات الدالة على أمر جميع المؤمنين بالإيمان باللّه ورسوله وكتبه، لكن لمؤمني أهل الكتاب خصوصية؛ وذلك أنهم يؤمنون بما بأيديهم مفصلًا؛ فإذا دخلوا في الإسلام وآمنوا به مفصلًا كان لهم على ذلك الأجر مرتين. وأما غيرهم فإنما يحصل له الإيمان بما تقدم مجملًا، كما جاء في "الصحيح" (١): "إذا حدثكم أهل الكتاب (فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) ولكن قولوا: ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ ".

ولكن قد يكون إيمان كثير من العرب بالإسلام الذي بعث به محمد أتم وأكمل، وأعمَّ وأشمل، من إيمان من دخل منهم في الإسلام؛ فهم وإن حصل لهم أجران من تلك الحيثية، فغيرهم (قد) (٢) يحصل له من التصديق ما ينيف ثوابه على الأجرين اللذين حصلا لهم. واللّه أعلم.

﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)﴾.

يقول الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ﴾ أي: المتصفون بما تقدم من الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، والإنفاق من الذي رزقهم الله، والإيمان بما أنزل إلى الرسول ومن قبله من الرسل، والإيقان بالدار الآخرة؛ وهو (يستلزم) (٣) الاستعداد لها من (العمل بالصالحات) (٤) وترك المحرمات. ﴿عَلَى هُدًى﴾ أي: على نور وبيان وبصيرة من الله تعالى ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أي: في الدنيا والآخرة.

وقال محمد بن إسحاق (٥)، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أي: على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم (به) (٦)؛ ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أي: الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا.

وقال ابن جرير (٧): وأما معنى قوله (تعالى) (٨): ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾.

فإن معنى ذلك أنهم على نور من ربهم، وبرهان واستقامة، وسداد (بتسديد الله) (٩) إياهم، وتوفيقه لهم.

وتأويل قوله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أي: المنجحون، المدركون ما طلبوا عند الله بأعمالهم، وإيمانهم باللّه وكتبه ورسله من الفوز بالثواب، والخلود في الجنات، والنجاة مما أعد الله لأعدائه من العقاب.

وقد حكى ابن جرير (١٠) قولًا عن بعضهم أنه أعاد اسم الإشارة في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَى


= البخاري: عن أبي هريرة قال: "كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام] فقال رسول الله : "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا باللّه وما أنزل إلينا … الآية".
(١) في (ن): "فلا تكذبوهم ولا تصدقوهم".
(٢) ساقط من (ز) و (ل) و (ن).
(٣) في (ن): "مستلزم".
(٤) في (ن): "الأعمال الصالحة".
(٥) أخرجه ابن جرير (٢٩٣، ٢٩٤)؛ وابن أبي حاتم (٨٤ - ٨٨) من طريق سلمة بن الفضل، قال: حَدَّثَنَا محمد بن إسحاق به [وسنده حسن].
(٦) من (ن).
(٧) في "تفسيره" (١/ ٢٤٩).
(٨) من (ن).
(٩) في (ن): "بتسديده".
(١٠) في "تفسيره" (١/ ٢٤٨).