للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٢٢٤)﴾ جاء حسَّان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك إلى رسول الله وهم يبكون، فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبي ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قال: "أنتم" ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ قال: "أنتم" ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ قال: "أنتم" رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من رواية ابن إسحاق (١).

وقد روى ابن أبي حاتم أيضًا عن أبي سعيد الأشج، عن أبي أُسامة، عن الوليد بن أبي كثير، عن يزيد، عن عبد الله، عن أبي الحسن مولى بني نوفل أن حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، أتيا رسول الله حين نزلت هذه الآية ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤)﴾ يبكيان، فقال رسول الله وهو يقرؤها عليهما ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤)﴾ حتى بلغ ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قال: "أنتم" (٢).

وقال أيضًا حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عروة قال: لما نزلت ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤)﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦)﴾ قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله قد علم الله أني منهم، فأنزل الله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الآية (٣)، وهكذا قال ابن عباس وعكرمة مجاهد وقتادة وزيد بن أسلم وغير واحد: أن هذا استثناء مما تقدم (٤). ولا شك أنه استثناء، ولكن هذه السورة مكية، فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار؟ وفي ذلك نظر، ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها، والله أعلم، ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم حتى يدخل فيه من كان متلبسًا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله، ثم تاب وأناب ورجع وأقلع وعمل صالحًا، وذكر الله كثيرًا في مقابلة ما تقدم من الكلام السيء. فإن الحسنات يذهبن السيئات، وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كان يذمه، كما قال عبد الله بن الزبعري حين أسلم:

يا رسول المليك إن لساني … اتق ما فتقت إذ أنا بور

إذ أجاري الشيطان في سنن … الغي ومن مال ميله مثبور

وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، كان من أشدِّ الناس عداوة للنبي وهو ابن عمه وأكثرهم له هجوًا، فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله ، وكان يمدح رسول الله بعد ما كان يهجوه، ويتولاه بعد ما كان قد عاداه، وهكذا روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن، قال: "نعم" قال: معاوية تجعله كاتبًا بين يديك؟ قال: "نعم" قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت


(١) أخرجه ابن أبي حاتم والطبري من طريق ابن إسحاق به، ولم يصرح بالسماع بل عنعن وقد توبع كما سيأتي في الرواية التالية فيكون سنده حسنًا لغيره.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن، وأخرجه الحاكم من طريق أبي أسامة به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٣/ ٤٨٨).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده مرسل ويشهد له سابقه ولاحقه.
(٤) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق الضحاك عنه، ويشهد له سابقه ولاحقه، فقول قتادة أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.