للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا الحديث من هذا الوجه ضعيف، لأن مسلمة بن علي وهو: الخشني الدمشقي البلاطي ضعيف الرواية عند الأئمة، ولكن قد روي من وجه آخر، وفيه نظر أيضًا.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن الحارث بن يزيد الحضرمي، عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن الندّر السلمي صاحب رسول الله يحدث أن رسول الله قال: "إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه وطعمة بطنه" (١).

وقوله تعالى إخبارًا عن موسى : ﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨)﴾ يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين، فإن أتممت عشرًا فمن عندي فأنا متى فعلت أقلهما فقد برئت من العهد وخرجت من الشرط، ولهذا قال: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ﴾ أي: فلا حرج علي، مع أن الكامل وإن كان مباحًا لكنه فاضل من جهة أخرى بدليل من خارج، كما قال تعالى ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣].

وقال رسول الله لحمزة بن عمرو الأسلمي ، وكان كثير الصيام، وسأله عن الصوم في السفر، فقال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر" (٢) مع أن فعل الصيام راجح من دليل آخر، هذا وقد دلّ الدليل على أن موسى إنما فعل أكمل الأجلين وأتمهما.

وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قال: سألني يهودي من أهل الحيرة؛ أي: الأجلين قضى موسى؟ فقلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله، فقدمت على ابن عباس فسألته، فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل (٣)، هكذا رواه البخاري وهكذا رواه حكيم بن جبير وغيره عن سعيد بن جبير، ووقع في حديث الفتون من رواية القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير: أن الذي سأله رجل من أهل النصرانية (٤) والأول أشبه، والله أعلم.

وقد روي من حديث ابن عباس مرفوعًا، قال ابن جرير: حدثنا أحمد بن محمد الطوسي، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس أنَّ رسول الله قال: "سألت جبريل؛ أيُّ الأجلين قضى موسى؟


= ضعيف جدًا لأن مسلمة بن علي متروك (التقريب ص ٥٣٠)، وفيه بقية لم يصرح بالسماع، وضعفه الحافظ ابن كثير، ولكنه يتقوى برواية البخاري التالية.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه وأطول، وفي سنده ابن لهيعة فيه مقال.
(٢) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٢٥/ ٤٢٣ ح ١٦٠٣٧)، وصححه محققوه بالمتابعات، وأخرجه النسائي (السنن، الصيام، ٤/ ١٨٥).
(٣) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد ح ٢٦٨٤).
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة طه آية ٤٠، وأخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.