للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سألتاني الطلاق أن رأتاني … قلّ ما لي جئتماني بنُكر

ويكأن من يكن له نشب … يُحبَب ومن يفتقر يعش عيش ضُرّ (١)

﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤)﴾.

يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون علوًا في الأرض؛ أي: ترفعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبرًا بهم ولا فسادًا فيهم، كما قال عكرمة العلو: التجبر (٢).

وقال سعيد بن جبير: العلو البغي (٣).

وقال سفيان بن سعيد الثوري، عن منصور، عن مسلم البطين: العلو في الأرض التكبر بغير حق، والفساد أخذ المال بغير حق (٤).

وقال ابن جريج: ﴿لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ تعظمًا وتجبرًا ﴿وَلَا فَسَادًا﴾ عملًا بالمعاصي (٥).

وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبي، عن أشعث السمان، عن أبي سلام الأعرج، عن علي قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك نعل صاحبه، فيدخل في قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)(٦). وهذا محمول على ما إذا أراد بذلك الفخر والتطاول على غيره، فإن ذلك مذموم، كما ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: "إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد" (٧).

وأما إذا أحب ذلك لمجرد التجمل، فهذا لا بأس به، فقد ثبت أن رجلًا قال: يا رسول الله إني أحبُّ أن يكون ردائي حسنًا ونعلي حسنة، أفمن الكبر ذلك؟ فقال: "لا، إن الله جميل يحب الجمال" (٨).

وقال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ أي: يوم القيامة ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ أي: ثواب الله خير من حسنة العبد، فكيف والله يضاعفه أضعافًا كثيرة، وهذا مقام الفضل ثم قال: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى


(١) نسبه سيبويه إلى زيد بن عمرو بن نفيل (الكتاب ٢/ ١٥٥)، واستشهد به الطبري.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق زياد بن أبي زياد عن عكرمة، وزياد ضعيف كما في التقريب، ومعناه صحيح.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سفيان به.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفيه أشعث، سكت عنه ابن أبي حاتم (الجرح والتعديل ٢/ ٢٧٧).
(٧) أخرجه مسلم من حديث عياض بن حمار (الصحيح، الجنة، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار ح ٢٨٦٥).
(٨) أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود، الإيمان، باب تحريم الكبر (ح ٩١).