للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين وهي تسع، فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلى التسع، وكذلك جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن جرير وغيرهما من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أن رسول الله قال لأبي بكر في مناحبة (١): ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢)﴾ الآية: "ألا احتطت يا أبا بكر، فإن البضع ما بين ثلاث إلى تسع؟ " ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه (٢). وروى ابن جرير عن عبد الله بن عمرو أنه قال ذلك (٣).

وقوله تعالى: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ أي: من قبل ذلك ومن بعده، فبني على الضم لما قطع المضاف، وهو قوله قبل عن الإضافة ونويت.

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ أي: للروم أصحاب قيصر ملك الشام على فارس أصحاب كسرى، وهم المجوس، وكانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قوله طائفة كثيرة من العلماء، كابن عباس والثوري والسدي (٤) وغيرهم.

وقد ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار من حديث الأعمش عن عطية، عن أبي سعيد قال: لما كان يوم بدر، ظهرت الروم علي فارس، فأعجب ذلك المؤمنين ففرحوا به، وأنزل الله ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥)(٥).

وقال الآخرون: بل كان نصر الروم على فارس عام الحديبية، قاله عكرمة والزهري وقتادة وغير واحد (٦).

ووجه بعضهم هذا القول بأن قيصر كان قد نذر لئن أظفره الله بكسرى ليمشين من حمص إلى إيليا وهو بيت المقدس، شكرًا لله تعالى ففعل، فلما بلغ بيت المقدس لم يخرج منه حتى وافاه كتاب رسول الله الذي بعثه مع دحية بن خليفة، فأعطاه دحية لعظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر، فلما وصل إليه سأل من بالشام من عرب الحجاز، فأحضر له أبو سفيان صخر بن حرب الأموي في جماعة من كبار قريش، وكانوا بغزة، فجيء بهم إليه فجلسوا بين يديه. فقال: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا، فقال لأصحابه وأجلسهم خلفه: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذب فكذبوه، فقال أبو سفيان،


(١) أي: مراهنة.
(٢) أخرجه الطبري والترمذي من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي به، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (ح ٦٢٤).
(٣) أخرجه الطبري بسند فيه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف.
(٤) تقدم تخريجه في بداية تفسير الآية.
(٥) أخرجه الترمذي (السنن، التفسير، باب ومن سورة الروم ح ٣١٩٢)، والطبري، وفي سنده عطية وهو العوفي وفيه مقال ويتقوى بما سبق من الروايات في بداية تفسير الآية ولهذا قال الألباني صحيح بما بعده (صحيح سنن الترمذي ح ٢٥٥٠).
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وقول الزهري عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.