للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)﴾ يعني: الكفار يعرفون عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال (١).

﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)﴾.

يقول تعالى منبهًا على التفكر في مخلوقاته الدالة على وجوده وانفراده بخلقها، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ يعني به: النظر والتدبر والتأمل لخلق الله الأشياء من العالم العلوي والسفلي وما بينهما من المخلوقات المتنوعة والأجناس المختلفة، فيعلموا أنها ما خلقت سدىً ولا باطلًا بل بالحق، وأنها مؤجلة إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾.

ثم نبههم على صدق رسله فيما جاؤوا به عنه، بما أيدهم من المعجزات والدلائل الواضحات من إهلاك من كفر بهم ونجاة من صدقهم، فقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماع أخبار الماضين، ولهذا قال: ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ أي: كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم أيها المبعوث إليهم محمد وأكثر أموالًا وأولادًا، وما أوتيتم معشار ما أوتوا، ومكنوا في الدنيا تمكينًا لم تبلغوا إليه وعمروا فيها أعمارًا طوالًا، فعمروها أكثر منكم، واستغلوها أكثر من استغلالكم، ومع هذا فلما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا بما أوتوا، أخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واقٍ، ولا حالت أموالهم ولا أولادهم بينهم وبين بأس الله، ولا دفعوا عنهم مثقال ذرة، وما كان الله ليظلمهم فيما أجل بهم من العذاب والنكال ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أي: وإنما أوتوا من أنفسهم حيث كذبوا بآيات الله واستهزؤوا بها، وما ذاك إلا بسبب ذنوبهم السالفة وتكذيبهم المتقدم، ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)﴾، كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)[الأنعام]، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥]، وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [المائدة: ٤٩] وعلى هذا تكون السوأى منصوبة مفعولًا لأساؤوا، وقيل: بل المعنى في ذلك ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾ أي: كانت السوأى عاقبتهم لأنهم كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون. فعلى هذا تكون السوأى منصوبة خبر كان، هذا توجيه ابن جرير، ونقله عن ابن عباس وقتادة (٢)، ورواه ابن أبي حاتم


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٢) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.