للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ سَوَاءٌ﴾ أي: لا يرتضي أحدكم أن يكون عبده شريكًا له في ماله فهو وهو فيه على السواء ﴿تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: تخافون أن يقاسموكم الأموال.

قال أبو مِجلز: إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك، وليس له ذاك، كذلك الله لا شريك له (١)، والمعنى إن أحدكم يأنف من ذلك، فكيف تجعلون لله الأنداد من خلقه؟ وهذا كقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ [النحل: ٦٢] أي: من البنات حيث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، وجعلوها بنات الله، وقد كان أحدهم إذا بشر ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ [النحل: ٥٨ - ٥٩]. فهم يأنفون من البنات، وجعلوا الملائكة بنات الله، فنسبوا إليه ما لا يرتضونه لأنفسهم، فهذا أغلظ الكفر، وهكذا في هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه، وأحدهم يأبى غاية الإباء ويأنف غاية الأنفة من ذلك، أن يكون عبده شريكه في ماله يساويه فيه ولو شاء لقاسمه عليه، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

قال الطبراني: حدثنا محمود بن الفرج الأصفهاني، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، حدثنا حماد بن شعيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان يلبي أهل الشرك لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. فأنزل الله تعالى: ﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ (٢).

ولما كان التنبيه بهذا المثل على براءته تعالى ونزاهته بطريق الأولى والأحرى. قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾،

ثم قال تعالى مبينًا أن المشركين إنما عبدوا غيره سفهًا من أنفسهم وجهلًا: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي: المشركون ﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾ أي: في عبادتهم الأنداد بغير علم ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ أي: فلا أحد يهديهم إذا كتب الله ضلالهم ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ أي: ليس لهم من قدرة الله منقذ ولا مُجير ولا مُحيد لهم عنه، لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)﴾.

يقول تعالى: فسدِّد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم، الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره، كما تقدم عند قوله


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عمران، وهو ابن حدير السدوسي البصري (ينظر تهذيب التهذيب ٨/ ١٢٥)، عن أبي مجلز.
(٢) (المعجم الكبير ١٢/ ٢٠ ح ١٢٣٤٨)، وسنده ضعيف لضعف حماد بن شعيب (مجمع الزوائد ٣/ ٢٢٣).