للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢]. وفي الحديث: "إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم" (١).

وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على الإسلام، ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية والنصرانية والمجوسية.

وقوله تعالى: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ قال بعضهم: معناه لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها، فيكون خبرًا بمعنى الطلب، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧] وهو معنى حسن صحيح.

وقال آخرون: هو خبر على بابه ومعناه أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في ذلك. ولهذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد في قوله: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ لدين الله (٢).

وقال البخاري: قوله: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ لدين الله (٣)، خلق الأولين دين الأولين، الدين والفطرة الإسلام.

حدثنا عبدان: أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله : "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (٤). ورواه مسلم من حديث عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري به (٥)، وأخرجاه أيضًا من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة ، عن النبي (٦).

وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعة من الصحابة، فمنهم الأسود بن سريع التميمي.

قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا يونس، عن الحسن، عن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله وغزوت معه فأصبت ظهرًا، فقتل الناس يومئذٍ حتى قتلوا الولدان، فبلغ ذلك


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأعراف آية ١٧٢.
(٢) قول ابن عباس عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، وقول إبراهيم النخعي أخرجه آدم بن أبي إياس بسند صحيح من طريق مغيرة عنه، وقول سعيد بن جبير أخرجه الطبري بسند فيه ابن وكيع ويتقوى بالسابق واللاحق، وقول مجاهد أخرجه الطبري وآدم بن أبي إياس بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول عكرمة أخرجه الطبري بأسانيد يقوى بعضها بعضًا، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عنه، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٣) أخرجه البخاري في بداية الحديث التالي، ويشهد له ما سبق.
(٤) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، سورة الروم، باب ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] ح ٤٧٧٥).
(٥) صحيح مسلم، القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة (ح ٢٦٥٨).
(٦) تقدم في تفسير سورة النساء آية ١١٩.