للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جرير (١): والعمه: الضلال، يقال: عَمِه فلان يعمه عمهًا وعموها، إذا ضل. قال: وقوله: ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ في ضلالتهم، وكفرهم الذي غمرهم دنسه، وعلاهم رجسه، يترددون حيارى ضُلالًا، لا يجدون إلى المخرج منه سبيلًا؛ لأن الله (تعالى) (٢) قد طبع على قلوبهم، وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى، وأغشاها؛ فلا يبصرون رشدًا، ولا يهتدون سبيلًا.

[وقال بعضهم: العمى في العين، والعمه في القلب؛ وقد يستعمل العمى في القلب أيضًا؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦].

وتقول: عمه الرجل يعمه عموهًا فهو عمه وعامه، وجمعه عُمَّهٌ. وذهبت إبله (العمهى) (٣)؛ إذا لم يدر أين ذهبت] (٤).

﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)﴾.

قال السُّدِيُّ في "تفسيره" (٥)، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ قال: أخذوا الضلالة، وتركوا الهدى.

وقال (محمد) (٦) بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس (٧): ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ أي: الكفر بالإيمان.

وقال مجاهد (٨): آمنوا ثم كفروا.

وقال قتادة (٩): استحبوا الضلالة على الهدى.

وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧].

وحاصل قول المفسرين فيما تقدم أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة؛ وهو معنى قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ أي: بذلوا الهدى ثمنًا للضلالة. وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثم رجع عنه إلى الكفر؛ كما قال (تعالى) (١٠) فيهم: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [المنافقون: ٣] وأنهم استحبوا


(١) في "تفسيره" (١/ ٣٠٩).
(٢) ليس في (ن).
(٣) في (ن): "العمهاء".
(٤) ساقط من (ز) و (هـ).
(٥) ومن طريقه ابن جرير (٣٨١)؛ وأخرجه ابن أبي حاتم (١٥٥) عن السدي قوله. [وسنده ضعيف].
(٦) من (ل).
(٧) أخرجه ابن جرير (٣٨٠)؛ وابن أبي حاتم (١٥٣) [وسنده حسن].
(٨) أخرجه ابن جرير (٣٨٣، ٣٨٤)؛ وابن أبي حاتم (١٥٤) من طرق عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وسنده صحيح.
(٩) أخرجه ابن جرير (٣٨٢)؛ وابن أبي حاتم (١٥٢) من طريقين عن قتادة، وسنده جيد.
(١٠) من (ز) و (ن).