للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الضلالة على الهدى، كما (قد) (١) يكون حال فريق آخر منهم؛ فإنهم أنواع وأقسام؛ ولهذا قال تعالى: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ أي: ما ربحت (صفقتهم) (٢) في هذه البيعة.

﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ أي: راشدين في صنيعهم ذلك.

وقال ابن (٣) جرير: حدثنا (بشر) (٤)، حَدَّثَنَا يزيد، حَدَّثَنَا سعيد، عن قتادة ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة.

وهكذا رواه ابن أبي حاتم (٥) من حديث يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة بمثله سواء.

﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)﴾.

[يقال: مثلي ومثل ومثيل أيضًا. والجمع أمثال؛ قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)﴾] (٦) [العنكبوت: ٤٣].

(وتقرير) (٧) هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى، بمن استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله، وانتفع بها، وأبصر بها ما عن يمينه وشماله، وتأنس بها؛ فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره، وصار في ظلام شديد، لا يبصر ولا يهتدى؛ وهو مع (ذلك) (٨) أصم لا يسمع، أبكم لا ينطق، أعمى لو كان ضياء لما أبصره؛ فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضًا عن الهدى، واستحبابهم الغي على الرشد.

وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا، ثم كفروا، كما أخبر (تعالى عنهم) (٩) في غير هذا الموضع. واللّه أعلم.

[وقد حكى هذا الذي قلناه (فخر الدين) (١٠) الرازي في] (١١)) "تفسيره" عن السدي (١٢)؛ ثم قال: والتشبيه ها هنا في غاية الصحة؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولًا نورًا، ثم بنفاقهم ثانيًا أبطلوا ذلك (النور) (١٣) فوقعوا في حيرة عظيمة؛ فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين] (١٤).


(١) ساقط من (ز) و (ن).
(٢) في (ج): "صفتهم"!!
(٣) في "تفسيره" (٣٨٥).
(٤) في (ن): "بشير" وهو خطأ وفي "تفسير الطبري": "بشر بن معاذ". [وسنده صحيح].
(٥) في "تفسيره" (١٥٧) من طريق العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع به. [وسنده صحيح].
(٦) ساقط من (ز).
(٧) في (ن): "وتقدير".
(٨) في (ن): "هذا".
(٩) كذا في (ل) و (ن) وفي (ج) و (ز) و (ع) و (ك) و (هـ) و (ي): "عنهم تعالى".
(١٠) ساقط من (ل) و (ن).
(١١) ساقط من (ز).
(١٢) وأخرجه ابن جرير (٣٨٨) عن السدي.
(١٣) ساقط من (ن).
(١٤) ساقط من (ز).