للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الكبراء من قوم صالح ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٧٦)[الأعراف]، وقال ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)[الأنعام]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾ [الأنعام: ١٢٣]، وقال جلَّ وعلا: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦)[الإسراء]، وقال جلَّ وعلا ههنا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ﴾ أي: نبي أو رسول ﴿إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة.

قال قتادة: هم جبابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر (١). ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ أي: لا نؤمن به ولا نتبعه.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، عن سفيان بن عاصم، عن أبي رزين قال: كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر، فلما بعث النبي كتب إلى صاحبه يسأله ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم، قال: فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال: دلَّني عليه، قال: وكان يقرأ الكتب أو بعض الكتب، قال فأتى النبي فقال: إلامَ تدعو؟ قال: "أدعو إلى كذا وكذا" قال: أشهد أنك رسول الله. قال : "وما علمك بذلك؟ " قال: إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه أراذل الناس ومساكينهم، قال: فنزلت هذه الآية ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٣٤)﴾ الآية، قال: فأرسل إليه النبي إن الله ﷿ قد أنزل تصديق، ما قلت (٢).

وهكذا قال هِرَقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل قال فيها: وسألتك أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم؟ فزعمت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل (٣).

وقال إخبارًا عن المترفين المكذبين: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)﴾ أي افتخروا بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله تعالى لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ثم يعذبهم في الآخرة وهيهات لهم ذلك قال الله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)[المؤمنون]، وقال : ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٥٥)[التوبة]، وقال ﷿: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧)[المدثر]، وقد أخبر الله ﷿ عن صاحب تينك الجنتين أنه كان ذا مال وثمر وولد، ثم لم يغن عنه شيئًا بل سلب ذلك كله في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا قال ﷿


(١) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) سنده مرسل، ويشهد لبعضه الحديث الذي يليه.
(٣) هذا جزء من حديث طويل أخرجه البخاري من حديث ابن عباس (الصحيح، بدء الوحي، باب رقم ٦ ح ٧).