للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هاهنا: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ أي: يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب، فيفقر من يشاء ويغني من يشاء، وله الحكمة التامة البالغة والحجة القاطعة الدامغة ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ أي: ليست هذه دليلًا على محبتنا لكم ولا إعتنائنا بكم.

قال الإمام أحمد : حدثنا كثير، حدثنا جعفر، حدثنا يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (١). ورواه مسلم وابن ماجه من حديث كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان به (٢)، ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ أي: إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا﴾ أي: تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ أي: في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى ومن كل شر يحذر منه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي، حدثنا القاسم وعلي بن مسهر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي قال: قال رسول الله : "إن في الجنة لغرفًا ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها" فقال أعرابي: لمن هي؟ قال : "لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام" (٣).

﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ أي: يسعون في الصد عن سبيل الله واتباع رسله والتصديق بآياته ﴿أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ أي: جميعهم مجزيون بأعمالهم فيها بحسبهم.

وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ أي: بحسب ما له في ذلك من الحكمة يبسط على هذا من المال كثيرًا. ويضيق على هذا ويقتر على رزقه جدًا. وله في ذلك من الحكمة ما لا يدركها غيره، كما قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)[الإسراء] أي: كما هم متفاوتون في الدنيا هذا فقير وهذا غني موسع عليه، فكذلك هم في الأخرة هذا في الغرفات في أعلى الدرجات، وهذا في الغمرات في أسفل الدركات، وأطيب الناس في الدنيا كما قال : "قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنعه الله بما آتاه" رواه مسلم من حديث ابن عمرو (٤).

وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، كما ثبت في


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٥٣٩) وسنده صحيح.
(٢) صحيح مسلم، البر، باب تحريم ظلم المسلم (ح ٢٥٦٤)، وسنن ابن ماجه، الزهد، باب القناعة (ح ٤١٤٣).
(٣) سنده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن إسحاق وهو الواسطي، والنعمان بن سعد: مقبول.
(٤) صحيح مسلم، الزكاة، باب في الكفاف والقناعة (ح ١٠٥٤).