للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)[يونس].

وكل هذه الآيات مكية.

ثم تحداهم بذلك أيضًا في المدينة؛ فقال في هذه الآية: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾، (أي: شك (١)) ﴿مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ يعني: محمدًا ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ يعني: من مثل القرآن؛ قاله مجاهد، وقتادة (٢)، واختاره ابن جرير [الطبري، والزمخشري (وفخر الدين) (٣) الرازي، ونقله عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، والحسن البصري، وأكثر المحققين؛ ورجح ذلك بوجوه؛ من أحسنها أنه تحداهم كلهم متفرقين ومجتمعين، سواء في ذلك أُميُّهم وكتابيهم؛ وذلك أكمل في التحدي؛ وأشمل من أن يتحدى آحادهم الأميين ممن لا يكتب ولا يعاني شيئًا من العلوم] (٤)، وبدليل قوله (تعالى) (٥): ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ [هود: ١٣] وقوله: ﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: ٨٨] وقال بعضهم: من مثل محمد ؛ يعني: من رجل أمي مثله.

والصحيح الأول؛ لأن التحدي عام لهم كلهم، مع أنهم أفصح الأمم، وقد تحداهم بهذا في مكة والمدينة مرات عديدة مع شدة عداوتهم له، وبغضهم لدينه (وتعصبهم لدينهم) (٦) ومع هذا عجزوا عن ذلك؛ ولهذا قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ "ولن" لنفي التأبيد (في المستقبل) (٧)؛ أي: ولن تفعلوا ذلك أبدًا.

وهذه أيضًا معجزة أخرى، وهو أنه أخبر [خبرًا جازمًا قاطعًا مقدمًا غير خائف ولا مشفق] أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبد [الآبدين ودهر الداهرين] (٨)؛ وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا، ولا يمكن؛ وأنى يتأتى ذلك لأحد والقرآن كلام اللّه خالق كل شيء؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين.

[ومن تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنونًا ظاهرةً وخفيةً، من حيث اللفظ، ومن جهة المعنى؛ قال اللّه تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)[هود] فأحكمت ألفاظه، وفصلت معانيه، أو بالعكس على الخلاف؛ فكل من لفظه ومعناه فصيح (لا يجارى) (٩) ولا يدانى؛ فقد أخبر عن مغيبات ماضية؛ وكانت ووقعت طبق أخبر سواءً بسواء، وأمر بكل خير، ونهى عن كل شر؛ كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥] أي: صدقًا في الإخبار، وعدلًا في الأحكام؛] (١٠) [فكله حق وصدق، وعدل وهدًى] (١١)،


(١) ساقط من (ج).
(٢) [أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة].
(٣) ساقط من (ن).
(٤) ساقط من (ز).
(٥) من (ن).
(٦) ساقط من (ز) و (ن). ووقع في (ل): "وتعصبهم على دينهم".
(٧) ساقط من (ز).
(٨) ساقط من (ز).
(٩) في (ن): "لا يحاذى".
(١٠) ساقط من (ز) و (ع) و (هـ) و (ى).
(١١) ساقط من (ز) و (ع) و (ص) و (ى).