﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩)﴾ [النجم]، المراد ليس أنقص من ذلك بل أزيد
وقوله تعالى: ﴿فَآمَنُوا﴾ أي: فآمن هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم يونس ﵇ جميعهم ﴿فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ أي: إلى وقت آجالهم كقوله: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (٩٨)﴾ [يونس].
﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)﴾.
يقول تعالى منكرًا على هؤلاء المشركين في جعلهم لله تعالى البنات سبحانه ولهم ما يشتهون أي: من الذكور؛ أي: يودون لأنفسهم الجيد ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨)﴾ [النحل] أي: يسوؤه ذلك ولا يختار لنفسه إلا البنين، يقول تعالى فكيف نسبوا إلى الله تعالى القسم الذي لا يختارونه لأنفسهم؟ ولهذا قال تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ أي: سلهم على سبيل الانكار عليهم ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ كقوله: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)﴾ [النجم].
وقوله: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠)﴾ أي: كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم كقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (١٩)﴾ [الزخرف] أي: يسألون عن ذلك يوم القيامة.
وقوله: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ﴾ أي: من كذبهم ﴿لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ﴾ أي: صدر منه الولد ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فذكر الله تعالى عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب، فأولًا جعلوهم بنات الله فجعلوا لله ولدًا تعالى وتقدس، وجعلوا ذلك الولد أنثى ثم عبدوهم من دون الله تعالى وتقدس وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم.
ثم قال تعالى منكرًا عليهم: ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣)﴾ أيْ: أيّ شيء يحمله على أن يختار البنات دون البنين كقوله: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (٤٠)﴾ [الإسراء] ولهذا قال: ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤)﴾ أي: ما لكم عقول تتدبرون بها ما تقولون ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٥٥)﴾
﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦)﴾ أي: حجة على ما تقولونه،
﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧)﴾ أي: هاتوا برهانًا على ذلك يكون مستندًا إلى كتاب منزل من السماء عن الله تعالى أنه اتخذ ما تقولونه فإن ما تقولونه لا يمكن استناده إلى عقل بل لا يجوزه العقل بالكلية.
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ قال مجاهد: قال المشركون: الملائكة بنات الله تعالى، فقال أبو بكر ﵁ فمن أمهاتهن؟ قالوا: بنات سروات الجن (١)، وكذا قال قتادة وابن
(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأما قول أبي بكر ﵁ فالإسناد منقطع لأن مجاهدًا لم يسمع منه.