للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال عبد الرزاق (١)، عن معمر، عن قتادة: لما ذكر اللّه تعالى العنكبوت والذباب قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل اللّه (تعالى) (٢) ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾.

وقال سعيد (٣)، عن قتادة: أي إن اللّه لا يستحي من الحق أن يذكر شيئًا ما قل أو كثر، وإن اللّه حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة: ما أراد اللّه من ذكر هذا! فأنزل اللّه ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾.

قلت: العبارة الأولى عن قتادة فيها إشعار أن هذه الآية مكية، وليس كذلك؛ وعبارة رواية سعيد عن قتادة أقرب. واللّه أعلم.

وروى ابن (٤) جريج، عن مجاهد نحو هذا الثاني عن قتادة.

وقال ابن أبي حاتم: روي عن الحسن، وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول السدي، وقتادة.

وقال أبو جعفر (٥) الرازي، عن الربيع بن أنس في هذه الآية - قال: هذا مثل ضربه اللّه للدنيا أن البعوضة تحيا ما جاعت، فإذا سمنت ماتت؛ وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضُرب لهم المثل في القرآن: إذا امتلئوا من الدنيا (ريًا) (٦) أخذهم اللّه (تعالى) (٧) عند ذلك؛ ثم تلا: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾ (٨) [الأنعام: ٤٤].

هكذا رواه ابن جرير، ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية بنحوه. فاللّه أعلم.

فهذا اختلافهم في سبب النزول.

وقد اختار ابن جرير ما حكاه السدي؛ لأنه أمس بالسورة؛ وهو مناسب.

ومعنى الآية أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي "أي: لا يستنكف. وقيل: لا يخشى، أن يضرب مثلًا ما؛ أي: أي مثل كان بأي شيء كان صغيرًا كان أو كبيرًا".

و"ما" هاهنا للتقليل (زائدة) (٩) وتكون "بعوضةً" منصوبةً على البدل، كما تقول: لأضربن ضربًا ما؛ فيصدق بأدنى شيء، [أو تكون "ما" نكرة موصوفةً ببعوضة] (١٠).

واختار ابن جرير أن "ما" موصولة، و"بعوضة" معربة بإعرابها؛ قال: وذلك سائغ في كلام العرب أنهم يعربون صلةً "ما" و"من" بإعرابهما؛ لأنهما يكونان معرفةً تارةً ونكرةً أخرى، كما قال حسان بن ثابت:


(١) في "تفسيره" (١/ ٤١) ومن طريقه ابن جرير (٥٥٨)؛ وابن أبي حاتم (٢٧٤) وعزاه السيوطي في "الدر" (١/ ٤١) لعبد بن حميد وابن المنذر. [وسنده صحيح].
(٢) من (ج)، وفي (ك): "﷿".
(٣) أخرجه ابن جرير (٥٥٧) وسنده صحيح.
(٤) أخرجه ابن جرير (٥٦١) [وسنده ضعيف لأن ابن جريج لم يسمع من مجاهد].
(٥) أخرجه ابن جرير (٥٥٥)، وابن أبي حاتم (٢٧١). [وسنده جيد].
(٦) ساقط من (ك).
(٧) من (ج) و (ع) و (ك) و (ل) و (هـ) و (ي).
(٨) من (ج).
(٩) ساقط من (ز) و (ن) و (هـ).
(١٠) ساقط من (ز) و (ي).