للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيذكران الله تعالى فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في حق.

قال: وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب أن ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢)﴾ فاستبطأته فالتفتت تنظر فأقبل عليها وقد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ فوالله القدير على ذلك ما رأيت رجلًا أشبه به منك إذ كان صحيحًا. قال: فإني أنا هو.

قال: وكان له أندران (١): أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله تعالى سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض (٢)، هذا لفظ ابن جرير .

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله : "بينما أيوب يغتسل عريانًا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثو في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال : بلى يا ربِّ ولكن لا غنى بي عن بركتك" (٣). انفرد بإخراجه البخاري من حديث عبد الرزاق به (٤)، ولهذا قال : ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣)﴾.

قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم (٥).

وقوله: ﴿رَحْمَةً مِنَّا﴾ أي: به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه استكانته ﴿وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ أي: لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة.

وقوله: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ وذلك أن أيوب كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته، قيل: باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة، وقيل: لغير ذلك من الأسباب فلما شفاه الله وعافاه كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب فأفتاه الله ﷿ أن يأخذ ضغثًا وهو: الشمراخ فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة، وقد برَّت يمينه وخرج من حنثه ووفَّى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي: رجاع منيب، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٢، ٣]، واستدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الأيمان وغيرها. وقد أخذوها بمقتضاها [ومنعت طائفة أخرى من الفقهاء من ذلك وقالوا: لم يثبت أن الكفارة كانت مشروعة في شرع


(١) الأندر: هو المخزن الكبير للطعام.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه وهذا الخبر من الإسرائيليات ولبعضه شاهد صحيح كما سيأتي.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٣١٤)، وسنده صحيح.
(٤) صحيح البخاري، الغسل، باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة (ح ٢٧٨).
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن.