للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: فما فوقها: فما هو أكبر منها؛ لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة؛ وهذا [قول قتادة بن دعامة، و] (١) اختيار ابن جرير؛] [(ويؤيده) (٢) ما رواه مسلم (٣) عن عائشة أن رسول اللّه قال: "ما من مسلم يشاك شوكةً فما فوقها إلا كتب له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة"] (١)؛ فأخبر أنه لا يستصغر شيئًا يضرب به مثلًا؛ ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة، [وكما (لم) (٤) يستنكف عن خلقها، كذلك (لا) (٥) يستنكف من ضرب المثل بها] (٦)، كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣)[الحج] وقال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١)[العنكبوت] وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧)[إبراهيم] وقال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا﴾ الآية [النحل:٧٥] ثم قال ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ الآية [النحل: ٧٦] كما قال: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ الآية [الروم: ٢٨].

وقال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ﴾ الآية [الزمر: ٢٩].

وقد قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)[العنكبوت].

وفي القرآن أمثال كثيرة.

قال بعض السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي؛ لأن اللّه (يقول) (٧): ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)﴾.

وقال مجاهد (في) (٨) قوله (تعالى) (٨): ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾: الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون، ويعلمون أنها الحق من ربهم، ويهديهم اللّه بها (٩).

وقال قتادة (١٠): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أي: يعلمون أنه كلام الرحمن، وأنه من عند الله.


(١) ساقط من (ز).
(٢) في (ن): "فإنه يؤيده".
(٣) في "صحيحه" (٢٥٧٢/ ٤٧) من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة مرفوعًا.
(٤) في (ن): (لا).
(٥) في (هـ): "لم".
(٦) ساقط من (ز) و (ك).
(٧) في (ن): "قال".
(٨) من (ن).
(٩) [أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد].
(١٠) أخرجه ابن جرير (٥٦٥)؛ وابن أبي حاتم (٢٧٧) من طريق يزيد بن زريع ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وسنده صحيح.