للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ إلى آخر الآية؛ فقال: هم الحرورية.

وهذا الإسناد (إن) (١) صح عن سعد بن أبي وقاص ، فهو تفسير على المعنى، (لا) (٢) أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان؛ فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية؛ وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل؛ لأنهم سموا خوارج، لخروجهم، عن طاعة الإمام، والقيام بشرائع الإسلام.

والفاسق في اللغة: هو الخارج عن الطاعة أيضًا. وتقول العرب: فسقت الرطبة، إذا خرجت من قشرتها؛ ولهذا يقال للفأرة: فويسقة لخروجها عن جحرها للفساد.

وثبت في "الصحيحين" (٣) عن عائشة: أن رسول اللّه قال: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور"؛ فالفاسق يشمل الكافر والعاصي، ولكن فسق الكافر أشد وأفحش، والمراد به من الآية الفاسق الكافر، واللّه أعلم؛ بدليل أنه وصفهم بقوله (تعالى) (٤): ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٢٧)﴾.

وهذه الصفات صفات الكفار المباينة لصفات المؤمنين، كما قال تعالى في سورة الرعد:

﴿*أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (٢١) … ﴾. الآيات، إلى أن قال: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥)[الرعد].

وقد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه؛ فقال بعضهم: هو وصية اللّه إلى خلقه، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسله؛ ونقضهم ذلك: هو تركهم العمل به.

وقال آخرون: بل هي في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم؛ وعهد اللّه الذي نقضوه هو ما أخذه اللّه عليهم في التوراة من العمل بما فيها، واتباع محمد إذا بعث، والتصديق به وبما جاء به من عند ربهم؛ ونقضهم ذلك: هو جحودُهم به بعد معرفتهم بحقيقته، وإنكارهم ذلك، وكتمانهم علم ذلك (عن) (٥) الناس بعد إعطائهم اللّه من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا


= شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد قال: سألت أبي ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ [الكهف: ١٠٣] هم الحرورية؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمدًا ، وأما النصارى كفروا بالجنة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان سعد يسميهم الفاسقين.
(١) هكذا في كل "الأصول" ووقع في بعض النسخ المطبوعة "وإن" بزيادة الواو والفرق بينهما واضح، ولا شك أن هذا التفسير صح عن سعد بن أبي وقاص كما مرَّ بك، وكان اللائق بعلم ابن كثير أن تكون العبارة (وإن) لأن صحة هذه الأسانيد لا تخفي على مثله إن شاء الله تعالى. واللّه أعلم.
(٢) في (ج): "إلا" وقد أفسد المعنى.
(٣) أخرجه البخاري (٤/ ٣٤ و ٦/ ٣٥٥)؛ ومسلم (١١٩٨/ ٦٨، ٧٠، ٧١).
(٤) من (ن).
(٥) كذا في (ج) و (ل) و (هـ)، وسقط من (ز) و (ع) و (ن) و (هـ). ووقع في (ك): "من" وأشار إليها في (ي).