للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكتمونه؛ فأخبر تعالى أنهم نبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنًا قليلًا.

وهذا اختيار ابن جرير (١) ، و (هو) (٢) قول مقاتل بن حيان.

وقال آخرون: بل عنى بهذه الآية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق. وعهده إلى جميعهم في توحيده ما وضع لهم من الأدلة الدالة على ربوبيته؛ وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي (بمثلها) (٣)، الشاهدة لهم على (صدقهم) (٤)؛ قالوا: ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة، وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أن ما أتوا به حق.

وروي عن مقاتل بن حيان (أيضًا) (٥) نحو هذا (٦). وهو حسن. [وإليه مال الزمخشري (٧)؛ فإنه قال: فإن قلت: فما المراد بعهد الله؟ قلت: ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد، كأنه أمر وصَّاهم به] (٨).

[ووثقه عليهم؛ وهو معنى قوله (تعالى) (٩): ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] إذ أخذ الميثاق عليهم (في) (١٠) الكتب المنزلة عليهم؛ كقوله: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: ٤٠] (١١).

وقال آخرون: العهد الذي ذكره تعالى: هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصف في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: ١٧٢] الآيتين. ونقضهم ذلك: تركهم الوفاء به.

وهكذا روي (١٢) عن مقاتل بن حيان أيضًا، حكى هذه الأقوال ابن جرير في "تفسيره" (١٣).

وقال أبو جعفر الرازي (١٤)، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية - في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ إلى قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ قال: هي ست خصال من المنافقين؛ إذا كانت فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا أؤتمنوا خانوا، ونقضوا عهد اللّه من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض؛ وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال الثلاث: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا أؤتمنوا خانوا.

وكذا قال الربيع بن أنس (١٥) أيضًا.


(١) في "تفسيره" (١/ ٤١٠، ٤١١).
(٢) من (ج) و (هـ) و (ي).
(٣) كذا في (ز) و (ن)؛ وفي (ج) و (ك) و (ل) و (هـ) و (ي): "بمثله".
(٤) كذا في (ز) و (ن)؛ وفي (ج) و (ك) و (ل) و (هـ) و (ي): "صدقه".
(٥) ساقط من (ز).
(٦) [أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان].
(٧) في "الكشاف" (١/ ٤٨).
(٨) ساقط من (ز) و (هـ).
(٩) من (ن).
(١٠) كذا في (ج) و (ي)؛ وفي (ك) و (ل) و (ن): "من".
(١١) ساقط من (ز) و (هـ).
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٢٩٥) [بسند جيد].
(١٣) (١/ ٤٤١، ٤١٢).
(١٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٢٨٩). [وسنده جيد].
(١٥) أخرجه ابن جرير (٥٧٣).