للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أخبر الله ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه، وقال تعالى: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤]، ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)(١).

فأخبر الله تعالى أن لو رُدّوا ما قدروا على الهدى وقال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨].

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أسود، حدثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : "كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو أن الله هداني فتكون عليه حسرة، قال: وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار، فيقول: لولا أن الله هداني. قال: فيكون له الشكر" (٢). ورواه النسائي من حديث أبي بكر بن عياش به (٣).

ولما تمنى أهل الجرائم العود إلى الدنيا وتحسروا على تصديق آيات الله واتباع رسله وقال الله : ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٥٩)﴾ أي: قد جاءتك أيها العبد النادم على ما كان منه آياتي في الدار الدنيا وقامت حججي عليك فكذبت بها واستكبرت عن اتباعها وكنت من الكافرين بها الجاحدين لها.

﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١)﴾.

يخبر تعالى عن يوم القيامة أنه تسود فيه وجوه وتبيض فيه وجوه، تسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف، وتبيض وجوه أهل السنة والجماعة قال تعالى ههنا: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ﴾ أي: في دعواهم له شريكًا وولدًا ﴿وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ أي: بكذبهم وافترائهم وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾؟ أي: أليست جهنم كافية لهم سجنًا وموئلًا لهم فيها الخزي والهوان بسبب تكبرهم وتجبرهم وإبائهم عن الانقياد للحق.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، حدثنا عمي، حدثنا عيسى بن أبي عيسى الخياط، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله قال: "إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أشباه الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنًا من النار في واد يقال له: بولس من نار الأنيار، ويسقون من عصارة أهل النار ومن طينة الخبال" (٤).


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٦/ ٣٨٢ ح ١٠٦٥٢) وصحح سنده محققوه.
(٣) السنن الكبرى، التفسير رقم ١١٤٥٤.
(٤) سنده ضعيف جدًا لأن عيسى بن أبي عيسى الحناط: متروك (التقريب ٤٤٠)، ولشطره الأول شاهد، أخرجه الترمذي من طريق عمرو بن شعيب به وقال: حسن صحيح (السنن، صفة القيامة ح ٢٤٩٢)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، وأخرجه الإمام أحمد من طريق عمرو بن شعيب به وحسنه محققوه (المسند ١١/ ٢٤٠ ح ٦٦٥٩).