للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ أي: بما سبق لهم من السعادة والفوز عند الله ﴿لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ﴾ أي: يوم القيامة ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي: ولا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع، مزحزحون عن كل شر نائلون كل خير.

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦)﴾.

يخبر تعالى أنه خالق الأشياء كلها وربها ومليكها والمتصرف فيها وكل تحت تدبيره وقهره وكلاءته، وقوله: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال مجاهد: المقاليد هي المفاتيح بالفارسية (١)، وكذا قال قتادة وابن زيد وسفيان بن عيينة (٢).

وقال السدي: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: خزائن السماوات والأرض (٣)، والمعنى على كلا القولين أن أزمة الأمور بيده له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولهذا قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ أي: حججه وبراهينه ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.

وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثًا غريبًا جدًا وفي صحته نظر ولكن نحن نذكره كما ذكره فإنه قال: حدثنا يزيد بن سنان البصري بمصر، حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا الأغلب بن تميم، عن مخلد بن هذيل العبدي، عن عبد الرحمن المدني، عن عبد الله بن عمر، عن عثمان بن عفان أنه سأل رسول الله ، عن تفسير قوله تعالى: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فقال: "ما سألني عنها أحد قبلك يا عثمان" قال : "تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده، أستغفر الله ولا قوة إلا بالله، الأول والآخر والظاهر والباطن، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. من قالها يا عثمان إذا أصبح عشر مرار أعطي خصالًا ستًا: أما أولاهن فيحرس من إبليس وجنوده، وأما الثانية فيعطى قنطارًا من الأجر، وأما الثالثة فترفع له درجة في الجنة، وأما الرابعة فيتزوج من الحور العين، وأما الخامسة فيحضره اثنا عشر ملكًا، وأما السادسة فيعطى من الأجر كمن قرأ القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وله مع هذا يا عثمان من الأجر، كمن حج وتقبلت حجته واعتمر فتقبلت عمرته، فإن مات من يومه طبع عليه بطابع الشهداء" (٤). ورواه أبو يعلى الموصلي من حديث يحيى بن حماد به مثله وهو غريب وفيه نكارة شديدة والله أعلم (٥).

وقوله: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (٦٤)﴾؟ ذكروا في سبب نزولها ما رواه ابن أبي


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد (في تفسير سورة الشورى آية ١٢).
(٢) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح عن معمر عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٤) سنده ضعيف جدًا لأن الأغلب بن تميم متفق على ضعفه (ميزان الاعتدال ١/ ٢٧٣) وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (١/ ١٤٤)، وقال ابن عرَّاق عن ابن حجر: إنه منكر من جميع طرقه (تنزيه الشريعة ١/ ١٩٢).
(٥) عزاه الهيثمي إلى أبي يعلى في المسند الكبير (مجمع الزوائد ١٠/ ١١٥).