للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورجلاه صنعنا عملنا فعلنا (١).

وقد تقدم أحاديث كثيرة وآثار عند قوله تعالى في سورة يس: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)[يس] بما أغنى عن إعادته ههنا.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن ابن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: لما رجعت إلى رسول الله مهاجرة البحر قال: "ألا تحدثون بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ " فقال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن جلوس إذ مرَّت علينا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غُدّر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدًا؟ قال: يقول رسول الله : "صدقت صدقت كيف يقدس الله قومًا لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم" (٢). هذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب (الأهوال) (٣): حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن سليم به.

وقوله: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ﴾ أي: تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم ما كنتم تكتمون منا الذي كنتم تفعلونه بل كنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصي ولا تبالون منه في زعمكم لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم ولهذا قالوا لكنكم: ﴿ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾ أي: هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيرًا مما تعملون هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم ﴿فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ أي: في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم.

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله قال: كنت مستترًا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وختناه ثقفيان -أو ثقفي وختناه قرشيان- كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمعه. فقال الآخر: إن سمع منه شيئًا سمعه كله، قال: فذكرت ذلك للنبي فأنزل الله ﷿: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (٤). وهكذا رواه الترمذي عن هناد، عن أبي معاوية بإسناده نحوه (٥)، وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي أيضًا من حديث سفيان الثوري، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن وهب بن ربيعة، عن عبد الله بن مسعود بنحوه (٦)، ورواه البخاري ومسلم أيضًا من حديث السفيانين كلاهما عن


(١) سنده حسن ويشهد له ما سبق.
(٢) أخرجه ابن ماجه من طريق سويد بن سعيد به (السنن ح ٤٠١٠) واستغربه الحافظ ابن كثير.
(٣) الأهوال ٢٤٣.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ١٠٨، ١٠٩ ح ٢٦١٤) وصحح سنده محققوه.
(٥) سنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة حم (ح ٣٢٤٩).
(٦) (المسند ١/ ٤٠٨) وصحيح مسلم، صفات المنافقين (ح بعد ٢٧٧٥).