للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق آدم فأسكنه إياها؛ فلذلك قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾.

وقال سفيان (١) الثوري، عن عطاء بن السائب، عن ابن سابط: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ قال: يعنون به بني آدم.

وقال (٢) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قال الله للملائكة: إني أريد أن أخلق في الأرض خلقًا، وأجعل فيها خليفة، وليس للّه ﷿ خلق إلا الملائكة، والأرض ليس فيها خلق. قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾؟.

وقد تقدم ما رواه السدي، عن ابن عباس، وابن مسعود وغيرهما من الصحابة: أن الله أعلم الملائكة بما (يفعل) (٣) ذرية آدم؛ فقالت الملائكة ذلك.

وتقدم (آنفًا) (٤) ما رواه الضحاك، عن ابن عباس: أن الجن أفسدوا في الأرض قبل بني آدم؛ فقالت الملائكة ذلك، فقاسوا هؤلاء بأولئك.

وقال ابن أبي (٥) حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن (بكير) (٦) بن الأخنس، عن مجاهد، عن عبد اللّه بن عمرو؛ قال: كان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة، فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء، فبعث اللّه جندًا من الملائكة، فضربوهم حتى (ألحقوهم) (٧) بجزائر البحور؛ فقال اللّه للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

وقال أبو جعفر (٨) الرازي، عن الربيع (بن أنس) (٩)، عن أبي العالية - في قوله (تعالى) (١٠): ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .. ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: ٣٣] قال: خلق اللّه الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قوم من الجن، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم (فكانت الدماء بينهم) (١١) وكان الفساد في الأرض؛ فمن ثم قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ كما أفسدت الجن ويسفك الدماء كما سفكوا؟


(١) أخرجه ابن جرير (٦٠٣ - ٦٠٨)؛ وابن أبي حاتم (٣٢٧)، وسنده جيد.
(٢) أخرجه ابن جرير (٦٠٤) وسنده صحيح.
(٣) في (ن) و (ل) و (هـ): "تفعل".
(٤) في (ج) و (ل): "أيضًا".
(٥) في "تفسيره" (٣٢٢) ولكن أخرجه الحاكم (٢/ ٢٦١) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية بسنده سواء لكنه جعل الصحابي "ابن عباس" بدل "ابن عمرو "فلا أدري هل تصحف في "المستدرك" والتصحيف فيه كثير أم هو اختلاف بين ابن أبي شيبة والطنافسي؟! وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي وهو كما قالا وقد أخرجه ابن منده في "التوحيد" (٥٧٢) من طريق سعدان بن نصر، ثنا أبو معاوية بسنده سواء عن عبد اللّه بن عمرو.
(٦) في (ك): "بكر" وهو خطأ.
(٧) في (ن): "لحقوا" وهو مخالف لما في "تفسير ابن أبي حاتم".
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٢٣)؛ وأخرجه ابن جرير (٦٠٢)؛ وأبو الشيخ في "العظمة" (٨٨٠) من طريق عبد اللّه بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قوله. [وسنده جيد].
(٩) من (ع) و (ن) و (هـ) و (ي).
(١٠) من (ن).
(١١) كذا في "جميع الأصول" وهو الموافق لما في "تفسير الطبري" (٦١٢). ووقع في (ن): "تقاتلهم ببغيهم".