قال ابن (١) أبي حاتم: وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا الحسن؛ قال: قال اللّه للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ قال لهم: إني فاعل، فآمنوا بربهم، فعلَّمهم علمًا، وطوى عنهم عِلمًا عَلِمه ولم يعلموه، فقالوا بالعلم الذي علمهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ قال: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
قال الحسن: إن الجن كانوا في الأرض يفسدون، ويسفكون الدماء، ولكن جعل الله في قلوبهم أن ذلك سيكون؛ فقالوا بالقول الذي علَّمهم.
وقال عبد الرزاق (٢)، عن معمر، عن قتادة في قوله: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ كان اللّه أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فذلك حين قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾؟
وقال ابن أبي (٣) حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام الرازي، حدثنا ابن المبارك، عن معروف - يعني: ابن خرَّبوذ المكي -، عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي يقول: السجل ملك، وكان هاروت وماروت من أعوانه، وكان له في كل يوم ثلاث لمحات (ينظرهن) (٤) في أم الكتاب؛ فنظر نظرةً لم تكن له، فأبصر فيها خلق آدم وما (كان) (٥) فيه من الأمور، فأسر ذلك إلى هاروت وماروت، وكانا من أعوانه؛ فلما قال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ - قالا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ قالا: ذلك استطالةً على الملائكة.
وهذا أثر غريب. وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر فهو نقله عن أهل الكتاب، وفيه نكارة توجب رده. واللّه أعلم.
ومقتضاه أن الذين قالوا ذلك إنما كانوا اثنين فقط، وهو خلاف السياق.
وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم (٦) أيضًا حيث قال: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن (عبيد اللّه) (٧)، حدثنا عبد اللّه بن يحيى بن أبي كثير؛ قال: سمعت أبي يقول: إن الملائكة الذين قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ كانوا عشرة آلاف، فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم.
وهذا أيضًا إسرائيلي منكر كالذي قبله. واللّه أعلم.
قال ابن جريج (٨): إنما تكلموا بما أعلمهم اللّه أنه كائن من خلق آدم، فقالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾؟
(١) في "تفسيره" (٣٢٤)؛ وأخرجه ابن جرير (٦١١) من طريق حجاج بن منهال، عن جرير بن حازم ومبارك بن فضالة، عن الحسن، وعن أبي بكر، عن الحسن وقتادة فذكره بأطول من سياق ابن أبي حاتم. [وسنده حسن].
(٢) في "تفسيره" (١/ ٤٢) ومن طريقه ابن جرير (٦١٠)؛ وابن أبي حاتم (٣٢٦). [وسنده صحيح].
(٣) في "تفسيره" (٣٢٨) وسنده ضعيف ومتنه منكر كما أشار إليه المصنف واللّه أعلم.
(٤) ساقط من (ن).
(٥) من (ن).
(٦) في "تفسيره" (٣٢٩).
(٧) في (ز) و (ك) و (ل) و (هـ): "ابن أبي عبد الله"؛ وفي (ج) و (ع) و (ن) و (ي): "ابن أبي عبيد الله" وصوابه: "ابن عبيد الله" وهو مترجم في "الجرح والتعديل" (٤/ ٦٧/٢).
(٨) أخرجه ابن جرير (٦١٦) وسنده صحيح.