للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أتيت رسول الله فإذا هو بالمدينة يعني مكة، والناس عليه كعرف الفرس، فلما رآنى النبي قال: "مرحبًا بك يا سواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك" قال: قلت: يا رسول الله قد قلتُ شعرًا، فاسمعه مني قال : "قل يا سواد" فقلت:

أتاني رئي بعد ليل وهجعة … ولم يك فيما قد بلوت بكاذب

ثلاث ليال قوله كل ليلة: … أتاك رسول من لؤي بن غالب

فشمرت عن ساقي الإزار [ووسطت] (١) … الدعلب الوجناء عند السباسب

فأشهد أن الله لا شيء غيره … وأنك مأمون على كل غائب

وأنك أدنى المرسلين شفاعة … إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب

فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل … إن كان فيما جاء شيب الذوائب

وكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة … سواك بمغن عن سواد بن قارب

قال: فضحك النبي حتى بدت نواجذه وقال لي: "أفلحت يا سواد" فقال عمر: هل يأتيك رئيك الآن؟ فقال: منذ قرأت القرآن لم يأتني ونعم العوض كتاب الله من الجن (٢). ثم أسنده البيهقي من وجهين آخرين (٣). ومما يدل على وفادتهم إليه بعدما هاجر إلى المدينة الحديث الذي رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن عبدة المصيصي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن أسلم أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني من حدثه عمرو بن غيلان الثقفي قال: أتيت عبد الله بن مسعود فقلت له: حدثت أنك كنت مع رسول الله ليلة وفد الجن. قال: أجل، قلت: حدثني كيف كان شأنه! فقال: إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجل يعشيه، وتركت فلم يأخذني أحد منهم، فمرَّ بي رسول الله فقال: "من هذا؟ " فقلت: أنا ابن مسعود، فقال : "ما أخذك أحد يعشيك؟ " فقلت: لا، قال : "فانطلق لعلي أجد لك شيئًا".

قال: فانطلقنا حتى أتى رسول الله حجرة أُم سلمة ، فتركني قائمًا ودخل إلى أهله ثم خرجت الجارية فقالت: يا ابن مسعود، إن رسول الله لم يجد لك عشاء فارجع إلى مضجعك، قال: فرجعت إلى المسجد فجمعت حصباء المسجد فتوسدته والتففت بثوبي، فلم ألبث إلا قليلًا حتى جاءت الجارية فقالت: أجب رسول الله. فاتبعتها وأنا أرجو العشاء، حتى إذا بلغت مقامي خرج رسول الله وفي يده عسيب من نخل فعرض به على صدري فقال : "انطلق أنت معي حيث انطلقت" قلت: ما شاء الله فأعادها علي ثلاث مرات. كل ذلك أقول ما شاء الله فانطلق، وانطلقت معه حتى أتينا بقيع الغرقد فخطَّ بعصاه خطًا ثم قال: "اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك" ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه خلال النخل، حتى إذا كان من حيث لا أراه ثارت قبله العجاجة السوداء فَفَرقت (٤) فقلت: ألحق برسول الله فإني أظن أن هوازن مكروا


(١) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: وأرفلت.
(٢) دلائل النبوة ٢/ ٢٤٨ ورواية البخاري تغني عما سواها.
(٣) دلائل النبوة ٢/ ٢٥٢.
(٤) أي: خفتُ.