للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال تعالى: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ قد تقدم حديث أنس حين قالوا: هنيئًا لك يا رسول الله، هذا لك فما لنا؟ فأنزل الله تعالى: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ (١) أي: ماكثين فيها أبدًا ﴿وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ أي: خطاياهم وذنوبهم فلا يعاقبهم عليها، بل يعفو ويصفح ويغفر ويستر ويرحم ويشكر ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ كقوله: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥].

وقوله تعالى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ أي: يتهمون الله تعالى في حكمه ويظنون بالرسول وأصحابه أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية، ولهذا قال تعالى: ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ﴾ أي: أبعدهم من رحمته ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ ثم قال مؤكدًا لقدرته على الانتقام من الأعداء أعداء الإسلام ومن الكفرة والمنافقين ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (٧)﴾.

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١٠)﴾.

يقول تعالى لنبيه محمد : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾ أي: على الخلق ﴿وَمُبَشِّرًا﴾ أي: للمؤمنين ﴿وَنَذِيرًا﴾ أي: للكافرين وقد تقدم تفسيرها في سورة الأحزاب (٢). ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ﴾ قال ابن عباس وغير واحد: تعظموه (٣) ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ أي: تسبحون الله ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ أي: أول النهار وآخره.

ثم قال لرسوله تشريفًا له وتعظيمًا وتكريمًا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ كقوله: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسول الله كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)[التوبة].

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الفضل بن يحيى الأنباري: حدثنا علي بن بكار، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال سول الله : "من سلَّ سيفه في سبيل الله فقد بايع الله" (٤).


(١) تقدم تخريجه في مطلع تفسير هذه السورة الكريمة.
(٢) في الآية ٤٥.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس ومعناه صحيح وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٤) عزاه السيوطي إلى ابن مردوية وضعفه (ينظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير ٦/ ١٥٤).