للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة: هي مكة (١). واختاره ابن جرير.

وقال ابن أبي ليلى والحسن البصري: هي فارس والروم (٢).

وقال مجاهد: هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة (٣).

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن سماك الحنفي، عن ابن عباس ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم (٤).

وقوله: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٢٢)﴾ يقول تعالى مبشرًا لعباده المؤمنين، بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم، ولانهزم جيش الكفر فارًّا مدبرًا لا يجدون وليًا ولا نصيرًا؛ لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين.

ثم قال: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٢٣)﴾ أي: هذه سنة الله وعادته في خلقه، ما تقابل الكفر والإيمان في موطن إلا نصر الله الإيمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل، كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين مع قلة عدد المسلمين وعَددهم وكثرة المشركين وعُددهم.

وقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٢٤)﴾ هذا امتنان من الله على عباده المؤمنين حين كفَّ أيدي المشركين عنهم فلم يصل إليهم منهم سوء، وكفَّ أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، بل صان كلًا من الفريقين وأوجد بينهم صلحًا فيه خير للمؤمنين وعاقبة لهم في الدنيا والآخرة، وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع حين جاؤوا بأولئك السبعين الأسارى، فأوقفوهم بين يدي رسول الله فنظر إليهم فقال: "أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه". قال: وفي ذلك أنزل الله: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ (٥) الآية.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله وأصحابه ثمانون رجلًا من أهل مكة بالسلاح، من قبل جبل التنعيم، يريدون غرة رسول الله فدعا عليهم فأُخذوا. قال عفان: فعفا عنهم ونزلت هذه الآية: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ (٦). ورواه مسلم وأبو داود في سننه والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما من طرق عن حماد بن سلمة به (٧).


(١) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة بلاغًا.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق قتادة عن الحسن، وأخرجه البستي والطبري بسند حسن من طريق الحكم عن ابن أبي ليلى.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) سنده حسن وأخرجه الطبري من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة به.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير الآية (١٠) من هذه السورة الكريمة.
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ١٢٢) وسنده صحيح.
(٧) صحيح مسلم، الجهاد والسير، باب قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] =