للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا يجوز أن يكون عام الحديبية؛ لأن خالدًا لم يكن أسلم بل قد كان طليعة للمشركين يومئذٍ، كما ثبت في الصحيح، ولا يجوز أن يكون [في عمرة القضاء] (١) لأنهم قاضوه على أن يأتي في العام القابل فيعتمر، ويقيم بمكة ثلاثة أيام، ولما قدم لم يمانعوه ولا حاربوه ولا قاتلوه.

فإن قيل: فيكون يوم الفتح؟ فالجواب: ولا يجوز أن يكون يوم الفتح لأنه لم يسق عام الفتح هديًا، وإنما جاء محاربًا مقاتلًا في جيش عرمرم، فهذا السياق فيه خلل وقد وقع فيه شيء فليتأمل والله أعلم. وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس قال: إن قريشًا بعثوا أربعين رجلًا منهم أو خمسين، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله ليصيبوا من أصحابه أحدًا فأخذوا أخذًا، فأُتي بهم رسول الله فعفا عنهم وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا إلى عسكر رسول الله بالحجارة والنبل. قال ابن إسحاق: وفي ذلك أنزل الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ (٢) الآية. وقال قتادة: ذُكر لنا أن رجلًا يقال له: ابن زُنيم اطلع على الثنية من الحديبية، فرماه المشركون بسهم فقتلوه، فبعث رسول الله خيلًا فأتوه باثني عشر فارسًا من الكفار فقال لهم: "هل لكم عليَّ عهد؟ هل لكم عليَّ ذمة؟ " قالوا: لا، فأرسلهم وأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ الآية (٣).

﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٢٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن الكفار من مشركي العرب من قريش، ومن مالأهم على نصرتهم على رسول الله ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: هم الكفار دون غيرهم ﴿وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أي: أنتم أحق به وأنتم أهله في نفس الأمر.

﴿وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ أي: صدوا الهدي أن يصل وهذا من بغيهم وعنادهم، وكان الهدي سبعين بدنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقوله: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ﴾ أي: بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم، لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل، ولهذا قال: ﴿لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ﴾ أي: إثم وغرامة ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ أي: يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام، ثم قال: ﴿لَوْ


(١) في الأصل بياض واستدرك من (حم) و (مح).
(٢) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وسنده ضعيف لإبهام شيخ ابن إسحاق.
(٣) أخرجه الطبري بسند رجاله ثقات عن قتادة لكنه مرسل بلفظ: "زُنيم" بدل "ابن زنيم".