للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعني قصيرة، فقال : "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" قالت: وحكيت له إنسانًا فقال : "ما أحب أني حكيت إنسانًا وإن لي كذا وكذا" (١). ورواه الترمذي من حديث يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع ثلاثتهم عن سفيان الثوري، عن علي بن الأقمر، عن أبي حذيفة سلمة بن صهيب الأرحبي، عن عائشة به وقال: حسن صحيح (٢).

وقال ابن جرير: حدثني ابن أبي الشوارب، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا سليمان الشيباني، حدثنا حسان بن المخارق أن امرأة دخلت على عائشة، فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها إلى النبي ؛ أي: إنها قصيرة فقال النبي : "اغتبتها" (٣).

والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا من رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل والنصيحة كقوله ، لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة! " وكقوله لفاطمة بنت قيس، وقد خطبها معاوية وأبو الجهم: "أما معاوية فصعلوك، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه" (٤). وكذا ما جرى مجرى ذلك، ثم بقيتها على الترحيم الشديد، وقد ورد فيها الزجر الأكيد، ولهذا شبهها بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال تعالى: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ أي: كما تكرهون هذا طبعًا فاكرهوه ذاك شرعًا، فإن عقوبته أشد من هذا، وهذا من التنفير عنها والتحذير منها كما قال في العائد في هبته: "كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه" (٥) وقد قال: "ليس لنا مثل السوء" وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه قال في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" (٦).

وقال أبو داود: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا أسباط بن محمد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" (٧). ورواه الترمذي، عن عبيد بن أسباط بن محمد، عن أبيه به وقال: حسن غريب (٨).


(١) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الأدب، باب في الغيبة ح ٤٨٧٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤٠٨٠).
(٢) سنن الترمذي، صفة القيامة، باب تحريم الغيبة (ح ٢٤٠٥).
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده حسان بن المخارق ترجم له ابن أبي حاتم وسكت عنه (الجرح والتعديل ٣/ ٢٣٥)، وهو لم يسمع من عائشة .
(٤) صحيح مسلم، الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها (ح ١٤٨٠).
(٥) أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس .
(٦) أخرجه الشيخان من حديث أبي بَكرة (صحيح البخاري، العلم، باب قول النبي : "رب مبلغ أوعى من سامع" ح ٦٧)، وصحيح مسلم، القسامة، باب تحريم الدماء والأعراض والأموال (ح ١٦٧٩).
(٧) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الأدب، باب في الغيبة ح ٤٨٨٢)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤٠٨٥).
(٨) سنن الترمذي، البر والصلة، باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم (ح ١٩٢٨) وحكمه كسابقه.