للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يوم يلقاه" فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث (١). ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث محمد بن عمرو به، وقال الترمذي: حسن صحيح وله شاهد في الصحيح (٢).

وقال الأحنف بن قيس: صاحب اليمين يكتب الخير وهو أمير على صاحب الشمال، فإن أصاب العبد خطيئة قال له: أمسك، فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها، وإن أبى كتبها (٣). رواه ابن أبي حاتم، وقال الحسن البصري وتلا هذه الآية ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى يخرج يوم القيامة فعند ذلك يقول تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)[الإسراء] ثم يقول: عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك (٤).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)﴾ قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى أنه ليكتب قوله: أكلت شربت ذهبت جئت رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله، فأقرّ منه ما كان فيه من خير أو شر وألقي سائره، وذلك قوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)(٥) [الرعد].

وذُكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه فبلغه عن طاوس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين فلم يئن أحمد حتى مات (٦).

وقوله: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩)﴾ يقول تعالى: وجاءت أيها الإنسان سكرة الموت بالحق؛ أي: كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه ﴿ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ أي: هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك فلا محيد ولا مناص ولا فكاك ولا خلاص.

وقد اختلف المفسرون في المخاطب بقوله: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩)﴾ فالصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو، وقيل الكافر، وقيل غير ذلك.


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٥/ ١٨٠ ح ١٥٨٥٢) وقال محققوه: صحيح لغيره.
(٢) سنن الترمذي، الزهد، باب قلة الكلام (ح ٢٣٢٠)، وسنن ابن ماجه الفتن، باب كفّ اللسان في الفتنة (ح ٣٩٦٩) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ١٨٨٨).
(٣) أخرجه ابن أبي الدنيا بسند ضعيف من طريق رجل مبهم عن ابن تميمة السلمي عن الأحنف. (الصمت ص ٨٢).
(٤) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق معمر عن الحسن.
(٥) أخرجه الطبري في تفسير سورة الرعد آية ٣٩ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري وليس من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ورواية الكلبي عن أبي صالح ضعيفة جدًا.
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ٧/ ٢١٠)، ورواية الإمام أحمد منقطعة لأن روايته بلاغًا.