للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان، أخبرنا عباد بن عباد، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده علقمة بن وقاص قال: إن عائشة قالت: حضرت أبي وهو يموت، وأنا جالسة عند رأسه فأخذته غشية، فتمثلت ببيت من الشعر:

من لا يزال دمعه مقنعًا … فإنه لا بدّ مرة مدفوق

قالت: فرفع رأسه فقال: يا بُنية ليس كذلك ولكن كما قال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩)(١).

وحدثنا خلف بن هشام، حدثنا أبو شهاب الخياط، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن البهي قال: لما أن ثقل أبو بكر جاءت عائشة فتمثلت بهذا البيت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى … إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر (٢)

فكشف عن وجهه وقال : ليس كذلك، ولكن قولي ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩)(٣).

وقد أوردت لهذا الأثر طرقًا كثيرة في سيرة الصديق عند ذكر وفاته، وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق، عن وجهه ويقول: "سبحان الله إن للموت لسكرات" (٤).

وفي قوله: ﴿ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ قولان:

(أحدهما): أن ما ههنا موصولة؛ أي: الذي كنت منه تحيد بمعنى تبتعد وتتناءى وتفر قد حلَّ بك ونزل بساحتك.

(والقول الثاني): أن ما نافية بمعنى ذلك ما كنت تقدر على الفرار منه ولا الحيد عنه.

وقد قال الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا مؤمل بن علي الصائغ المكي، حدثنا حفص، عن ابن عمر الحدي، حدثنا معاذ بن محمد الهذلي، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن سَمرة قال: قال رسول الله : "مثل الذي يفر من الموت مثل الثعلب تطلبه الأرض بدين، فجاء يسعى حتى إذا أعيا وأسهر دخل حجره. وقالت له الأرض: يا ثعلب ديني، فخرج وله حُصاص (٥) فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ومات" ومضمون هذا المثل كما لا انفكاك له ولا محيد عن الأرض، كذلك الإنسان لا محيد له عن الموت (٦).


(١) في سنده عمرو بن علقمة بن وقاص: مقبول (التقريب ص ٤٣٥). ومتنه يخالف الذي يليه.
(٢) استشهد به الطبري وعزاه إلى حاتم الطائي في تفسير سورة يوسف آية ٧٧.
(٣) أخرجه البستي بسند حسن من طريق البهي، وهو عبد الله، به وأخرجه البُستي بسند صحيح من طريق واصل، وهو ابن حيان الأحدب، عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أبي بكر ، وأخرجه الطبري من طريق أبي وائل عن أبي بكر وطريق الطبري وابن أبي الدنيا يقوي أحدهما الآخر ويتقويان برواية البستي.
(٤) أخرجه البخاري (الصحيح، الرقاق، باب سكرات الموت ح ٦٥١٠).
(٥) أي: شدة العدو وحدته، وقيل الضراط (النهاية ١/ ٣٩٦).
(٦) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ٧/ ٢٦٨ ح ٦٩٢٢) وأعله العقيلي والهيثمي بمعاذ بن محمد الهذلي =