للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هبار بن الأسود أن عتبة بن أبي لهب لما خرج في تجارة إلى الشام قال لأهل مكة اعلموا أني كافر بالذي دنا فتدلى، فبلغ قوله رسول الله فقال: سلط الله عليه كلبًا من كلابه. قال هبار: فكنت معهم فنزلنا بأرض كثيرة الأسد، قال: فلقد رأيت الأسد جاء فجعل يشمُّ رؤوس القوم واحدًا واحدًا حتى تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم (١).

وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة أن ذلك كان بأرض الزرقاء وقيل: بالسراة، وأنه خالف ليلتئذ، وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله فجاء الأسد فجعل يزأر ثم تخطاهم إليه فضغم رأسه لعنه الله.

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥)﴾ هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول الله فيها جبريل على صورته التي خلقه الله عليها وكانت ليلة الإسراء. وقد قدمنا الأحاديث الواردة في الإسراء بطرقها وألفاظها في أول سورة سبحان بما أغنى عن إعادته ههنا، وتقدم أن ابن عباس كان يثبت الرؤية ليلة الإسراء ويستشهد بهذه الآية، وتابعه جماعة من السلف والخلف، وقد خالفه جماعات من الصحابة والتابعين وغيرهم، وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زرٍّ بن حبيش، عن ابن مسعود في هذه الآية ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤)﴾ قال: قال رسول الله : "رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتثر منه ريش التهاويل من الدر والياقوت" (٢). وهذا إسناد جيد قوي.

وقال أحمد أيضًا: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا شريك، عن جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: رأى رسول الله جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سدَّ الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل من الدر والياقوت ما الله به أعلم (٣). إسناده حسن أيضًا.

وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين، حدثني عاصم بن بهدلة قال: سمعت شقيق بن سلمة يقول: سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله : "رأيت جبريل على سدرة المنتهى وله ستمائة جناح" سألت عاصمًا عن الأجنحة فأبى أن يخبرني، قال فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب (٤). وهذا أيضًا إسناد جيد.

وقال أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا حسين، حدثنا عاصم بن بهدلة، حدثني شقيق بن سلمة قال: سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله : "أتاني جبريل في خضر معلق به الدر" (٥). إسناده جيد أيضًا.


(١) تقدم تخريجه في بداية تفسير هذه الآية.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٤٦٠) وسنده حسن.
(٣) حسن سنده الحافظ ابن كثير. ويشهد له سابقه. والشطر الأول في صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)﴾ [النجم] (ح ٤٨٥٧)، وباب ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)﴾ [النجم] (ح ٤٨٥٨).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ٤١٠ ح ٣٨٦٢) وحسنه محققوه.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المصدر السابق ح ٣٨٦٣) وصحح سنده محققوه.