للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وياقوتًا وزبرجدًا، فرآها النبي ورأى ربه بقلبه (١).

وقال ابن زيد: قيل: يا رسول الله؛ أي: شيء رأيت يغشى تلك السدرة؟ قال: "رأيت يغشاها فراش من ذهب، ورأيت على كل ورقة من ورقها ملكًا قائمًا يسبح الله ﷿" (٢).

وقوله تعالى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧)﴾ قال ابن عباس: ما ذهب يمينًا ولا شمالًا ﴿وَمَا طَغَى﴾ ما جاوز ما أمر به، وهذه صفة عظيمة في الثبات والطاعة فإنه ما فعل إلا ما أمر به ولا سأل فوق ما أعطي، وما أحسن ما قال الناظم:

رأى جنة المأوى وما فوقها ولو … رأى غيره ما قد رآه لتاها (٣)

وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)﴾ كقوله: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [طه: ٢٣] أي: الدالة على قدرتنا وعظمتنا، وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة أن الرؤية تلك الليلة لم تقع لأنه قال: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)﴾ ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك ولقال ذلك للناس، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة سبحان.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد بن طلحة، عن الوليد بن قيس، عن إسحاق بن أبي الكهتلة قال محمد أظنه عن ابن مسعود أنه قال: إن محمدًا لم يرَ جبريل في صورته إلا مرتين: أما مرة فإنه سأله أن يريه نفسه في صورته فأراه صورته فسد الأفق، وأما الأخرى فإنه صعد معه حين صعد به، وقوله: ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)﴾ فلما أحَسّ جبريل ربه ﷿ عاد في صورته وسجد، فقوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)﴾ قال: خلق جبريل (٤)، وهكذا رواه أحمد وهو غريب.

﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)﴾.

يقول تعالى مقرعًا للمشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد والأوثان، واتخاذهم البيوت لها مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن : ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ﴾؟ وكانت اللَّات صخرة بيضاء منقوشة وعليها بيت بالطائف، له أستار وسدنة وحوله فناء معظم عند أهل الطائف، وهم


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند رجاله ثقات من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد لكنه مرسل.
(٢) أخرجه الطبري وسنده معضل ويشهد لقوله: "رأيت يغشاها فراش من ذهب" أحاديث صحيحة تقدم ذكرها في بداية تفسير سورة الإسراء.
(٣) لم أقف على اسم قائله.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ٤١١ ح ٣٨٦٤) وضعف سنده محققوه لجهالة حال إسحاق بن أبي الكهتلة. ولكن شطره الأول في رواية جبريل مرتين له شواهد صحيحة تقدم ذكرها.