للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثقيف ومن تابعها، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش.

قال ابن جرير: وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله فقالوا: اللَّات، يعنون: مؤنثة منه، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا، وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرأوا ﴿اللَّاتَ﴾ بتشديد التاء، وفسروه بأنه كان رجلًا يلتُّ للحجيج في الجاهلية السويق (١)، فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه (٢).

وقال البخاري: "حدثنا مسلم هو ابن إبراهيم، حدثنا أبو الأشهب، حدثنا أبو الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: ﴿اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ قال: كان اللات رجلًا يلتُّ السويق سويق الحجاج، قال ابن جرير: وكذا العزى من العزيز، وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة (٣)، وهي بين مكة والطائف، وكانت قريش يعظمونها كما قال أبو سفيان يوم أحد: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله : [قولوا] (٤) الله مولانا ولا مولى لكم" (٥).

وروى البخاري من حديث الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "من حلف فقال في حلفه واللّات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعالَ أقامرك (٦) فليتصدق" (٧) فهذا محمول على من سبق لسانه في ذلك كما كانت ألسنتهم قد اعتادته في زمن الجاهلية، كما قال النسائي: أخبرنا أحمد بن بكار، وعبد الحميد بن محمد قالا: حدثنا مخلد، حدثنا يونس، عن أبيه، حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: حلفت باللات والعزى، فقال لي أصحابي: بئس ما قلت! قلت هجرًا (٨). فأتيت رسول الله فذكرت ذلك له فقال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وانفث عن شمالك ثلاثًا، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم لا تعد" (٩).

وأما مناة فكانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة. وروى البخاري عن عائشة نحوه (١٠)، وقد كان


(١) أخرجه البخاري بسنده عن ابن عباس (الصحيح، التفسير، باب ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)﴾ [النجم] ح ٤٨٥٩). والسويق: طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير، ولتَّ السويق أي: خلطه بالسمن.
(٢) ذكره الطبري بنحوه، والقراءة متواترة.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) زيادة من (ح) و (حم).
(٥) أخرجه البخاري (الصحيح، المغازي، باب غزوة أحد ح ٤٠٤٣).
(٦) قال الخطابي: أي: بالمال الذي كان يريد أن يقامر به، وقيل: بصدقة ما لتكفر عنه القول الذي جرى على لسانه. قال النووي: وهذا هو الصواب (ينظر: فتح الباري ٨/ ٦١٢).
(٧) أخرجه البخاري من طريق معمر عن الزهري به. (الصحيح، التفسير، باب ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)﴾ ح ٤٨٦٠).
(٨) أي: القبيح من الكلام.
(٩) أخرجه النسائي بسنده ومتنه (السنن، الأيمان والنذور، باب الحلف باللات والعزى ٧/ ٨). وفي سنده يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو صدوق يهم قليلًا (التقريب ص ٦١٣).
(١٠) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)﴾ [النجم] (ح ٤٨٦١).