للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨] فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف.

وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف. وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها.

والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه؛ [قال مالك، عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر] (١).

[قال مالك: وصدق؛ من ذا الذي ليس فيه شيء؟

(قلت) (٢)] (٣): لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة، وفعله المعصية، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة؛ فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك؛ كما قال الإمام أبو القاسم الطبراني في "معجمه (٤) الكبير": حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، والحسن بن علي (المعمري) (٥)؛ قالا: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا علي بن سليمان الكلبي، حدثنا الأعمش، عن أبي تميمة الهُجيمي، عن جُندب (بن) (٦) عبد الله () (٧)، قال: قال رسول الله : "مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه".

هذا حديث غريب من هذا الوجه.

حديث آخر: قال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده" (٨): حدثنا وكيع، حدثنا حماد بن سلمة،


(١) ساقط من (ز) و (ض).
(٢) ساقط من (ك).
(٣) ساقط من (ز) و (ض).
(٤) (ج ٢/ رقم ١٦٨١) ومن طريقه الشجري في "الأمالي" (١/ ٦٧) مطولًا وفيه قصة.
وأخرج الخطيب في "الاقتضاء" (٧٠)؛ والأصبهاني في "الترغيب" (٢١٤٤) منه محل الشاهد. وقال الهيثمي في "المجمع" (٦/ ٢٣٢): "فيه علي بن سليمان، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات"! كذا قال! وعلي بن سليمان ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (٣/ ٨٨/ ١١، ١٨٩) ونقل عن أبيه أنه قال: "ما أرى بحديثه بأسًا، صالح الحديث ليس بالمشهور". ونقل الأصبهاني في "الترغيب" (٢١٤٤)، عن هشام بن عمار قال: "ثنا علي بن سليمان وهو من أهل دمشق ثقة" ونقله ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (ج ١٢/ ق ١٠٩). ثم رأيت الهيثمي ذكر الحديث في موضع آخر من "المجمع" (١/ ١٨٤، ١٨٥) وقال: "رجاله موثقون"، وحسنه شيخنا الألباني في تعليقه على "الاقتضاء"، وجود إسناده السيوطي في "الدر المنثور" (١/ ٦٥).
(٥) في (ك): "العمرى"!
(٦) في (ل): "عن"! وهو خطأ ظاهر.
(٧) ساقط من (ل).
(٨) (١/ ١٢٠، ١٨٠) قال: حدثنا وكيع بسنده سواء.
وأخرجه وكيع في "الزهد" (٢٩٧) ومن طريقه أحمد في "الزهد" (ص ٤٥)؛ وابن أبي شيبة (١٤/ ٣٠٨) وتابعه عبد الله بن المبارك في "مسنده" (٢٧، ١٣٢)؛ وفي "الزهد" (٨١٩) ومن طريقه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (٥٠٩) قال: أخبرنا حماد بن سلمة بسنده سواء.
وتابعهما عفان بن مسلم وشيبان بن عبد الرحمن كلاهما عن حماد بن سلمة به. أخرجه الخطيب في "تاريخه" (٦/ ١٩٩)؛ وفي "الموضح" (٢/ ١٧٠). =