للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف".

وقد رواه الترمذي من حديث الليث بن سعد وابن لهيعة به وقال: حسن صحيح (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا بشير بن سلمان، عن سيار أبي الحكم، عن طارق بن شهاب، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "من نزل به حاجة فأنزلها بالناس كان قَمِنًا (٢) أن لا تسهل حاجته، ومن أنزلها بالله تعالى أتاه الله برزق عاجل أو بموت آجل" (٣). ثم رواه عن عبد الرزاق، عن سفيان، عن بشير، عن سيار أبي حمزة ثم قال: وهو الصواب، وسيار أبو الحكم لم يحدث عن طارق.

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ أي: منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ كقوله: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: ٨].

﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (٤) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (٥)﴾.

يقول تعالى مبينًا لعدة الآيسة وهي التي قد انقطع عنها المحيض لكبرها إنها ثلاثة أشهر عوضًا عن الثلاثة قروء في حق من تحيض كما دلَّت على ذلك آية البقرة (٤) كذا الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض؛ أي: عدتهن كعدة الآيسة ثلاثة أشهر ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾.

وقوله: ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ فيه قولان:

أحدهما: وهو قول طائفة من السلف كمجاهد والزهري وابن زيد؛ أي: إن رأين دمًا وشككتم في كونه حيضًا أو استحاضة وارتبتم فيه (٥).

والقول الثاني: ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ في حكم عدتهن ولم تعرفوه فهو ثلاثة أشهر وهذا مروي عن سعيد بن جبير وهو اختيار ابن جرير وهو أظهر في المعنى واحتج عليه بما رواه عن أبي كريب وابن السائب قالا: حدثنا ابن إدريس، أخبرنا مُطرِّف، عن عمرو بن سالم قال: قال أُبي بن كعب: يا رسول الله إن عِدَدًا من عِدَد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال قال فأنزل الله ﷿: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الزمر آية ٣٨.
(٢) أي: جديرًا. (ينظر: النهاية ٤/ ١١١).
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ٢٢٤ ح ٣٦٩٦) قال محققوه: إسناده حسن على خطأ في اسم أحد رواته، سبار هذا هو أبو حمزة .. اهـ. وقد نبه الحافظ ابن كثير على ذلك بعد الحديث مباشرة.
(٤) آية رقم ٢٢٨.
(٥) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق معمر عن الزهري، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.