للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ أي: يكتبون كما تقدم.

وقوله: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)﴾ أي: ولست ولله الحمد بمجنون كما يقوله الجهلة من قومك المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين فنسبوك فيه إلى الجنون

﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣)﴾ أي: بل إن لك الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق وصبرك على أذاهم.

ومعنى ﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أي: غير مقطوع كقوله: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التين: ٦] أي: غير مقطوع عنهم.

وقال مجاهد: ﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أي: غير محسوب (١)، وهو يرجع إلى ما قلناه.

وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)﴾ قال العوفي عن ابن عباس: "وإنك لعلى دين عظيم" وهو الإسلام وكذلك قال مجاهد وأبو مالك السدي والربيع بن أنس وكذا قال الضحاك وابن زيد (٢):

وقال عطية: لعلى أدب عظيم (٣).

وقال معمر، عن قتادة: سُئلت عائشة عن خلق رسول الله قالت: كان خلقه القرآن، يقول سعيد: تقول كما هو: في القرآن (٤).

وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)﴾ ذُكر لنا أن سعد بن هشام سأل عائشة عن خُلق رسول الله فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله كان القرآن (٥).

وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام قال: سألتُ عائشة فقلت: أخبريني يا أُم المؤمنين عن خلق رسول الله . فقالت: أتقرأ القرآن؟ فقلت: نعم. فقالت: كان خلقه القرآن (٦). هذا مختصر من حديث طويل وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث قتادة بطوله وسيأتي في سورة المزمل (٧) إن شاء الله تعالى، وبه الثقة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا يونس، عن الحسن قال: سُئلت عائشة عن خلق


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بما أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "دين عظيم"، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن ابن عباس بلفظ: "الدين".
(٣) أخرجه ابن المبارك (الزهد رقم ٦٧٨)؛ والطبري بسند حسن من طريق فضيل بن مرزوق عن عطية.
(٤) أخرجه عبد الرزاق والطبري من طريق معمر به، وسنده منقطع لأن قتادة لم يسمع من عائشة؛ وأخرجه الحاكم متصلًا من طريق قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام بن عامر عن عائشة؛ وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٩٩).
(٥) أخرجه الطبري من طريق سعيد به، وفيه انقطاع وقد تقدم موصولًا.
(٦) تقدم تخريجه في رواية الحاكم قبل الرواية السابقة.
(٧) سيأتي في تفسير سورة المزمل آية ١ - ٩.