للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: يقال للعابد: متبتل، ومنه الحديث المروي: نهى عن التبتل (١) يعني: الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج.

وقوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)﴾ أي: هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل فاتخذه وكيلًا كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود: ١٢٣] وكقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)[الفاتحة] وآيات كثيرة في هذا المعنى فيها الأمر بإفراد العبادة والطاعة لله وتخصيصه بالتوكل عليه.

﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (١٢) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (١٧) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (١٨)﴾.

يقول تعالى آمرًا رسوله بالصبر على ما يقوله مَن كذَّبهِ من سفهاء قومه، وأن يهجرهم هجرًا جميلًا، وهو الذي لا عتاب معه، ثم قال له متهددًا لكفار قومه ومتوعدًا، وهو العظيم الذي لا يقوم لغضبه شيء

﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ﴾ أي: دعني والمكذبين المترفين أصحاب الأموال فإنهم على الطاعة أقدر من غيرهم وهم يطالبون من الحقوق بما ليس عند غيرهم ﴿وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا﴾ أي: رويدًا كما قال: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (٢٤)[لقمان]، ولهذا قال ههنا: ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا﴾ وهي القيود. قاله ابن عباس وعكرمة وطاوس ومحمد بن كعب وعبد الله بن بريدة وأبو عمران الجوني وأبو مجلز والضحاك وحماد بن أبي سليمان وقتادة والسدي وابن المبارك والثوري وغير واحد (٢).

﴿وَجَحِيمًا﴾ وهي السعير المضطرمة

﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ﴾ قال ابن عباس: ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج (٣).

﴿وَعَذَابًا أَلِيمًا يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾ أي: تزلزل ﴿وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ أي: تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء ثم إنها تنسف نسفًا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب حتى تصير


(١) ذكره الطبري بنحوه والحديث أخرجه البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص (الصحيح، النكاح، باب ما يكره من التبتل ح ٥٠٧٤).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ٨/ ٢٨٨)؛ والطبري بسند جيد من طريق أبي عمرو الملائي عن عكرمة؛ وأخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند حسن من طريق مبارك، وهو ابن فضالة، عن الحسن البصري؛ وأخرجه أبو نعيم بسند حسن من طريق منصور عن مجاهد (حلية الأولياء ٣/ ٢٩٨)؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق الثوري عن حماد؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري والحاكم بسند حسن من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس؛ وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: شبيب ضعفوه. (المستدرك ٢/ ٥٠٤).