للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأرض قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا؛ أي: واديًا ولا أمتًا، أي: رابية، ومعناه: لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع.

ثم قال تعالى مخاطبًا لكفار قريش والمراد سائر الناس: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ﴾ أي: بأعمالكم ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (١٦)﴾ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي والثوري: ﴿أَخْذًا وَبِيلًا﴾ أي: شديدًا (١)؛ أي: فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول فيصيبكم ما أصاب فرعون، حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر كما قال تعالى: ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥)[النازعات] وأنتم أولى بالهلاك والدمار إن كذبتم رسولكم؛ لأن رسولكم أشرف وأعظم من موسى بن عمران، ويروى عن ابن عباس ومجاهد.

وقوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (١٧)﴾ يحتمل أن يكون يومًا معمولًا لتتقون كما حكاه ابن جرير عن قراءة ابن مسعود "فكيف تخافون أيها الناس يومًا يجعل الولدان شيبًا" إن كفرتم بالله ولم تصدقوا به (٢)؟ ويحتمل أن يكون معمولًا لكفرتم فعلى الأول كيف يحصل لكم أمان من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم؟ وعلى الثاني كيف يحصل لكم تقوى إن كفرتم يوم القيامة وجحدتموه؟ وكلاهما معنى حسن، ولكن الأول أولى، والله أعلم.

ومعنى قوله: ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ أي: من شدة أهواله وزلازله وبلابله، وذلك حين يقول الله تعالى لآدم: ابعث بعث النار. فيقول: من كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة.

قال الطبراني: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف، حدثنا سعيد بن [أبي مريم] (٣)، حدثنا نافع بن يزيد، حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله قرأ ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ قال: "ذلك يوم القيامة وذلك يوم يقول الله لآدم: قم فابعث من ذريتك بعثًا إلى النار، قال: من كم يا رب؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وينجو واحد". فاشتد ذلك على المسلمين وعرف ذلك رسول الله ثم قال: حين أبصر ذلك في وجوههم "إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنه لا يموت منهم رجل [حتى يُرى] (٤) لصلبه ألف رجل ففيهم وفي أشباههم جُنة لكم" (٥). هذا حديث غريب وقد تقدم في أول سورة الحج ذكر هذه [الأحاديث] (٦).


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) ذكره الطبري تعليقًا وهي قراءة شاذة تفسيرية.
(٣) كذا في (حم) و (ح)، وفي الأصل صُحف إلى: "هزيم".
(٤) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل بياض.
(٥) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ١١/ ٣٦٦ ح ١٢٠٣٤)، وسنده ضعيف لضعف عثمان بن عطاء الخراساني، (ينظر مجمع الزوائد ٧/ ١٣٠)، والتقريب ص ٣٨٥ وعطاء الخراساني اختلط.
(٦) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل بياض.