للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لما كتب لهم من المصير إلى سجين؛ أي: مرقوم مكتوب مفروغ منه لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد. قاله محمد بن كعب القرظي.

ثم قال: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠)﴾ أي: إذا صاروا يوم القيامة إلى ما أوعدهم الله من السجن والعذاب المهين، وقد تقدم الكلام على قوله: ﴿وَيْلٌ﴾ بما أغنى عن إعادته، وأن المراد من ذلك الهلاك والدمار كما يقال: ويل لفلان، وكما جاء في المسند والسنن من رواية بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله : "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك الناس، ويل له، ويل له" (١).

ثم قال تعالى مفسرًا للمكذبين الفجار الكفرة: ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١)﴾ أي: لا يصدقون بوقوعه ولا يعتقدون كونه ويستبعدون أمره،

قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢)﴾ أي: معتد في أفعاله؛ من تعاطي الحرام والمجاوزة في تناول المباح والأثيم في أقواله إن حدث كذب، وإن وعد أخلف، وإن خاصم فجر.

وقوله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣)﴾ أي: إذا سمع كلام الله تعالى من الرسول يكذب به ويظن به ظن السوء فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)[النحل] وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)[الفرقان].

قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)﴾ أي: ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا أنَّ هذا القرآن أساطير الأولين، بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله ، وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الرين الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا، ولهذا قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)﴾.

والرين يعتري قلوب الكافرين، والغيم للأبرار، والغين للمقربين.

وقد روى ابن جرير والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إن العبد إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت، فذلك قول الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)﴾ ". وقال الترمذي: حسن صحيح، ولفظ النسائي "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، فإِن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)(٢) ".


(١) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٥/ ٥)؛ وأبو داود، السنن، الأدب، باب التشديد في الكذب (ح ٤٩٩٠)؛ والترمذي (السنن، الزهد، باب فيمن تكلم بكلمة ليضحك بها الناس ح ٢٣١٦؛ والنسائي السنن الكبرى التفسير ح ١١١٢٦)؛ وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤١٧٥).
(٢) أخرجه الطبري والترمذي (السنن، التفسير، باب ومن سورة المطففين ح ٣٣٣٤)، والنسائي (السنن الكبرى، التفسير، باب قوله تعالى: ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ح ١١٦٥٨)؛ وابن ماجه (السنن، الزهد، باب ذكر الذنوب ح ٤٢٤٤)؛ وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه ٢/ ٤١٧؛ وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ١/ ٥).