للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى، أخبرنا ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإِن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، وذاك الران الذي ذكر الله في القرآن ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)﴾ " (١).

وقال الحسن البصري: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت (٢)، وكذا قال مجاهد بن جبير وقتادة وابن زيد وغيرهم (٣).

وقوله: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)﴾ أي: لهم يوم القيامة منزل ونزل سجين ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم.

قال الإمام أبو عبد الله الشافعي: وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه ﷿ يومئذٍ (٤)، وهذا الذي قاله الإمام الشافعي في غاية الحسن، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية، كما دل عليه منطوق قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)[القيامة]، وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم ﷿ في الدار الآخرة رؤية بالأبصار في عرصات القيامة وفي روضات الجنات الفاخرة.

وقد قال ابن جرير: [حدثني محمد بن عمار الرازي] (٥)، حدثنا أبو معمر المقري، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن في قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)﴾ قال: يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون والكافرون، ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية. أو كلامًا هذا معناه.

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦)﴾ أي: ثم هم مع هذا الحرمان عن رؤية الرحمن من أهل النيران

﴿ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧)﴾ أي: يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ والتصغير والتحقير (٦).

﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)﴾.

يقول تعالى: حقًا ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ﴾ وهم بخلاف الفجار ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ أي: مصيرهم إلى عليين وهو بخلاف سجين.


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وقال محققوه: إسناده قوي. (المسند ١٣/ ٣٣٤ ح ٧٩٥٢).
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي رجاء عن الحسن.
(٣) أخرجه آدم والطبري بعدة أسانيد صحيحة عن مجاهد؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٤) أخرجه البيهقي عن الشافعي. (مناقب الشافعي ١/ ٤١٩).
(٥) زيادة من تفسير الطبري.
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه آدم بن أبي إياس عن أبي معمر المقري به. وسنده مرسل، وفي عمرو بن عبيد مقال. (التقريب ص ٤٢٤).