للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثني عمرو بن عبد الحميد [الآملي] (١)، حدثنا مروان بن معاوية، عن أبي خلدة قال: دخلت على أبي العالية فقال لي: إذا غدوت غدًا إلى العيد فمر بي، قال: فمررت به فقال: هل طعمت شيئًا؟ قلت: نعم. قال: أفضت على نفسك من الماء؟ قلت: نعم. قال: فأخبرني ما فعلت زكاتك! قلت: قد وجهتها قال: إنما أردتك لهذا ثم قرأ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)﴾ وقال: إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ومن سقاية الماء (٢).

(قلت): وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر ويتلو هذه الآية: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)﴾.

وقال أبو الأحوص: إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة فليقدم بين يدي صلاته زكاته؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)(٣).

وقال قتادة في هذه الآية: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)﴾ زكى ماله وأرضى خالقه (٤).

ثم قال تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦)﴾ أي: تقدمونها على أمر الآخرة وتبدونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)﴾ أي: ثواب الله في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى، فإن الدنيا دنية فانية والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى ويهتم بما يزول عنه قريبًا ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد؟

قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ذويد، عن أبي إسحاق، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله : "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له" (٥).

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يحيى بن واضح، حدثنا أبو حمزة، عن عطاء، عن عرفجة الثقفي قال: استقرأت ابن مسعود: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)﴾ فلما بلغ ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦)﴾ ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال: آثرنا الدنيا على الآخرة، فسكت القوم فقال: آثرنا الدنيا؛ لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل (٦). وهذا منه على وجه التواضع والهضم أو هو إخبار عن الجنس من حيث هو، والله أعلم.


(١) كذا في تفسير الطبري، وفي النسخ الخطية بلفظ: "الأيلي".
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وعمرو بن عبد الحميد الآملي لم أجد له ترجمة.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق أبي إسحاق -وهو السبيعي- عن أبي الأحوص. (المصنف ٣/ ٧).
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة الإسراء آية ١٨.
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف، وعطاء بن السائب اختلط. (مجمع الزوائد ١٠/ ٢٣٦) وعرفجة الثقفي مقبول. (التقريب ص ٣٨٩) وقد توبع ابن حميد في رواية الطبراني. (المعجم الكبير ح ٩١٤٧) وفي رواية البيهقي (شعب الإيمان ح ١٠٦٤٥) إلا أن روايتهما من طريق عطاء بن السائب به.