للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أينَ المَفَرُّ؟ والإلهُ الطَّالب … والأشرمُ المغلوبُ غير الغالب (١)

قال ابن إسحاق: وقال نُفَيل في ذلك أيضًا:

ألا حُييت عَنا يا رُدَينا … نَعمْناكُم مَعَ الإصبَاح عَينَا

رُدَينةُ، لَو رأيت -وَلا تَرَيْه … لَدَى جَنْب المحصّب- ما رَأينَا

إذًا لَعَذَرتني وَحَمَدَت أمْري … وَلَم تأسى عَلَى مَا فات بَيْنَا

حَمدتُ الله إذا أبصَرتُ طيرًا … وَخفْتُ حجارة تُلقَى عَلَينا

فَكُلّ القوم يَسألُ عَن نُفَيل .... كَأنَّ عليّ للحُبْشَان دَينَا!

وذكر الواقدي بأسانيده أنهم لما تعبؤوا لدخول الحرم وهيؤوا الفيل، جعلوا لا يصرفونه إلى جهة من سائر الجهات إلا ذهب [فيها] (٢)، فإذا وجهوه إلى الحرم رَبَض وصاح. وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه، ليقهر الفيل على دخول الحرم. وطال الفصل في ذلك. هذا وعبد المطلب وجماعة من أشراف مكة، منهم المطعم بن عدي، وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، ومسعود [بن عمرو] (٣) الثقفي، على حراء ينظرون إلى ما الحبشة يصنعون، وماذا يلقون من أمر الفيل، وهو العجب العجاب. فبينما هم كذلك، إذ بعث الله عليهم طيرًا أبابيل؛ أي: قطَعًا قِطَعًا صفرًا دون الحمام، وأرجلها حمر، ومع كل طائر ثلاث أحجار، وجاءت فحلقت عليهم، وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا.

وقال محمد بن كعب: جاؤوا بفيلين فأما محمود فَرَبض، وأما الآخر فَشَجُع فحُصِب.

وقال وهب بن مُنَبِّه: كان معهم فيلة، فأما محمود -وهو فيل الملك- فربض، ليقتدي به بقية الفيلة، وكان فيها فيل تَشَجّع فحُصِب، فهربت بقية الفيلة.

وقال عطاء بن يَسَار، وغيره: ليس كلهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة، بل منهم من هلك سريعًا، ومنهم من جعل يتساقط عضوًا عضوًا وهم هاربون، وكان أبرهة ممن يتساقط عضوًا عضوًا، حتى مات ببلاد خثعم.

قال ابن إسحاق: فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل، وأُصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنْمُلة أنْمُلة، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون.

وذكر مقاتل بن سليمان: أن قريشًا أصابوا مالًا جزيلًا من أسلابهم، وما كان معهم، وإن عبد المطلب أصاب يومئذ من الذهب ما ملأ حفرة.

وقال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عُتْبَة: أنه حُدث أن أول ما رؤيت الحَصبة والجُدري بأرض العرب ذلك العام، وأنه أول ما رؤي به مَرائر الشجر الحَرْمل، والحنظل والعُشر، ذلك العام.

وهكذا روي عن عكرمة، من طريق جيد.


(١) المصدر السابق ١/ ٥٣ وتفسير الطبري.
(٢) زيادة من (ح) و (حم).
(٣) زيادة من (ح) و (حم).