للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخدم رسول الله فدبَّت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مُشَاطة رأس النبي وعدة أسنان من مُشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها. وكان الذي تولى ذلك رجل منهم -يقال له: لبيد ابن أعصم- ثم دسَّها في بئر لبني زُرَيق، يقال لها: ذَرْوان، فمرض رسول الله وانتثر شعر رأسه، ولبث سته أشهر يُرَى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يَذُوب ولا يدري ما عراه. فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فَقَعَد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طُبَّ. قال: وما طُبّ؟ قال: سحر. قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي. قال: وبم طَبَّه؟ قال: بمشط ومشاطة. قال: وأين هو؟ قال: في جُف طلعة تحت راعوفة في بئر ذَرْوَان -والجف: قشر الطلع، والراعوفة: حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح- فانتبه رسول الله مذعورًا، وقال: "يا عائشة، أما شعرت أن الله أخبرني بدائي؟ ". ثم بعث رسول الله عليًّا والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر كأنه نُقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجفَّ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود، فيه اثنتا عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فأنزل الله تعالى السورتين، فجعل كلما قرأ آية انحلَّت عقدة، ووجد رسول الله خفة حين انحلَّت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نَشطَ من عقال، وجعل جبريل يقول: باسم الله أرْقِيك، من كل شر يؤذيك، من حاسد وعين الله يشفيك. فقالوا: يا رسول الله، أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله : "أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن يثير على الناس شرًّا" (١).

هكذا أورده بلا إسناد، وفيه [غرابة] (٢)، وفي بعضه نكارة شديدة، ولبعضه شواهد مما تقدم، والله أعلم.

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)﴾.

هذه ثلاث صفات من صفات الربِّ ﷿؛ الربوبية، والملك، والإلهية: فهو ربُّ كل شيء ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات، من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يُزَين له الفواحش، ولا يألوه جهدًا في الخبال. والمعصوم من عَصَم الله، وقد ثبت في الصحيح أنه: "ما منكم من أحد إلا قد وُكِل به قرينه". قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: "نعم، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير" (٣).


(١) ضعفه الحافظ ابن كثير.
(٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "عوانة".
(٣) أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن مسعود (الصحيح، صفات المنافقين، باب تحريش الشيطان ح ٢٨١٤).