للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ أي: يتأولونه على غير تأويله، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ أي: فهموه على الجلية، ومع هذا يخالفونه على بصيرة، ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله.

وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: ١٣].

قال محمد بن إسحاق (١): حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس - أنه قال: ثم قال الله تعالى لنبيه ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ وليس قوله: (سمعوا التوراة) (٢)، كلهم قد سمعها، (ولكنهم) (٣) الذين سألوا موسى رؤية ربهم، فأخذتهم الصاعقة فيها.

وقال محمد (٤) بن إسحاق فيما حدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى: يا موسى: قد حيل بيننا وبين رؤية (الله) (٥) تعالى، فأسمعنا كلامه حين يكلمك، فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى؛ فقال: نعم، مرهم فليتطهروا، وليطهروا ثيابهم، ويصوموا. ففعلوا؛ ثم خرج بهم حتى أتوا الطور؛ فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى (أن يسجدوا) (٦)، (فوقعوا سجودًا) (٧)، وكلمه ربه (فلما سمعوا) (٨) كلامه يأمرهم وينهاهم، حتى عقلوا (عنه) (٩) ما سمعوا، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل.

فلما جاءهم (حرَّف) (١٠) فريق منهم ما أمروا به، [وقالوا - حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا؛ قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله -: إنما قال كذا وكذا، خلافًا لما قال الله لهم] (١١)؛ فهم الذين عنى الله لرسوله .

وقال السدي (١٢): ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ قال: هي التوراة حرفوها.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٧٧٣). [وسنده حسن].
(٢) هكذا في كل "الأصول" وهو الموافق لما في "تفسير ابن أبي حاتم" (٧٧٥)؛ وفي (ز): "ليس قوله يسمعون كلام الله سمعوا التوراة" وهو الموافق لما في "تفسير الطبري" (١٣٣٣) عن ابن إسحاق قوله. ومعنى الكلام: وليس قوله: ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٥] أنهم يسمعون التوراة، فكلهم قد سمعها، ولكن المراد بهذه الآية الذين سألوا موسى رؤية ربهم.
(٣) في (ن): "ولكن هم".
(٤) أخرجه ابن جرير (١٣٣٤)؛ وابن أبي حاتم (٧٧٧) من طريق سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق. [وسنده ضعيف لجهالة شيخ ابن إسحاق].
(٥) في (ن): "ربنا".
(٦) ليس في "تفسير الطبري" ولا في "ابن أبي حاتم".
(٧) من (ن) وهو الموافق لما في "تفسير الطبري" (١٣٣٤)، و"ابن أبي حاتم" وسقط من باقي "الأصول".
(٨) في (ن): "فسموا".
(٩) في (ن): "منه".
(١٠) في (ك): "صرف"!
(١١) من (ن) وهو الموافق لما في "الطبري".
(١٢) أخرجه ابن جرير (١٣٣٠)؛ وابن أبي حاتم (٧٧٩). [وسنده حسن].