للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تكفري (فإنك على رأس أمرك) (١) (فأربت) (٢) وأبيت. فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه؛ فذهبت [فاقشعررت وخفت، ثم رجعت إليهما؛ وقلت: قد فعلت، فقالا: فما رأيت؟] (٣) [قلت: لم أر شيئًا. فقالا: كذبت، لم تفعلي؛ ارجعي إلى بلادك ولا تكفري؛ فإنك على رأس أمرك؛ فأربت وأبيت؛ فقالا: اذهبي إلى التنور فبولي فيه، فذهبت إليه فبلت فيه] (٤)، فرأيت فارسًا مقنعًا بحديد خرج مني فذهب في السماء وغاب حتى ما أراه؛ فجئتهما، فقلت: قد فعلت. فقالا: فما رأيت؟ قلت: رأيت فارسًا مقنعًا خرج مني فذهب في السماء وغاب حتى ما أراه. فقالا: صدقت؛ ذلك إيمانك خرج منك، اذهبي.

فقلت للمرأة: والله ما أعلم شيئًا، وما قالا لي شيئًا، فقالت: بلى، لم تريدي شيئًا إلا كان. خذي هذا القمح فابذري؛ فبذرت، وقلت: أطلعي فأطلعت، وقلت: (أحقلي) (٥) فأحقلت. ثم قلت: افركي فأفركت، ثم قلت: أيبسي فأيبست، ثم قلت: اطحني فأطحنت. ثم قلت: اخبزي فأخبزت.

فلما رأيت أني لا أريد شيئًا إلا كان (سقط) (٦) في يدي، وندمت والله يا أم المؤمنين، ما فعلت شيئًا ولا أفعله أبدًا.

ورواه ابن أبي حاتم، عن الربيع بن سليمان، به مطولًا كما تقدم؛ وزاد بعد قولها: ولا أفعله أبدًا - فسألت أصحاب رسول الله حداثة وفاة رسول الله ، وهم يومئذ متوافرون، فما دَرَوا ما يقولون لها، وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلمه إلا أنه قد قال لها ابن عباس، أو بعض من كان عنده: لو كان أبواك حيين أو أحدهما.

قال هشام: فلو جاءتنا أفتيناها بالضمان.

قال ابن أبي الزناد: وكان هشام يقول: إنهم كانوا من أهل الورع (وخشية من الله) (٧).

ثم يقول هشام: لو جاءتنا مثلها اليوم لوجدت نوكى أهل حمق وتكلف بغير علم.

فهذا إسناد جيد إلى عائشة .

وقد استدل بهذا الأثر من ذهب إلى أن الساحر له تمكن في قلب الأعيان؛ لأن هذه المرأة بذرت واستغلت في الحال.


(١) من (ل) و (ى).
(٢) كذا في سائر "الأصول"؛ وفي (ل): "فأبت وأبيت"؛ وفي "الطبري" ضبطها الشيخ محمود شاكر، رحمه الله تعالى: "فأرببت"، بزيادة باء موحدة، وفسرها في الحاشية بقوله: "وأرب بالمكان: لزمه ولم يبرحه". وما ورد في "الأصول" جاء أيضًا في "تفسير ابن أبي حاتم" و"سنن البيهقي"؛ ومعنى: "أربت"؛ أي: احتجت من قولهم: أرب إليه، يأرب أربًا؛ أي: احتاج، فكأنها قالت: إنني محتاجة إلى هذا الأمر، وأبت أن تبرح مكانها قبل أن تتعلمه. والله أعلم.
(٣) ساقط من (ز) و (ض).
(٤) ساقط من (ز) و (ض).
(٥) احقلي؛ يعني: ازرعي.
(٦) في (ج): "أسقط".
(٧) كذا في (ج) و (ض) و (ع) و (ك) و (ى)؛ وفي (ز) و (ن): "الخشية من الله"؛ وفي (ل): "وأهل الخشية من الله".