للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: بل ليس له قدرة إلا على التخييل؛ كما قال تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ١١٦] وقال تعالى: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: ٦٦] واستدل به على أن بابل المذكورة في القرآن هي بابل العراق لا بابل ديناوند؛ كما قاله السدي (١) وغيره.

ثم الدليل على أنها بابل العراق ما قاله ابن أبي حاتم (٢): حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن صالح، حدثني ابن وهب، حدثني ابن لهيعة، ويحيى بن أزهر، عن عمار بن سعد المرادي، عن أبي صالح الغفاري - أن علي بن أبي طالب - قال: إن حبيبي نهاني أن أصلي ببابل، فإنها ملعونة (٣).

وقال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب، (حدثني ابن لهيعة) (٤) ويحيى بن أزهر، عن عمار بن سعد المرادي، عن أبي صالح الغفاري: أن عليًا مر ببابل وهو يسير، فجاءه المؤذن يؤذنه بصلاة العصر، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة؛ فلما فرغ قال: إن حبيب نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي بأرض بابل؛ فإنها ملعونة.

حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يحيى بن أزهر وابن لهيعة، عن حجاج بن شداد، عن أبي صالح الغفاري، عن علي بمعنى حديث سليمان بن داود؛ قال: فلما خرج (مكان) (٥): "برز".

وهذا الحديث حسن عند الإمام أبي داود؛ لأنه رواه وسكت (٦) عليه، ففيه من الفقه كراهية


(١) أخرجه ابن جرير (١٦٩٠).
(٢) في "تفسيره" (١٠١٠).
وأخرجه أبو داود (٤٩٠)؛ ومن طريقه البيهقي (٢/ ٤٥١) قال: حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب بسنده سواء بأطول مما ذكره ابن أبي حاتم. وقد ذكر المصنف لفظ أبي داود. وهذا سند ضعيف.
(٣) هكذا وقع الحديث مختصرًا في سائر "الأصول" وعند ابن أبي حاتم، أما ناسخ (ن) فنقل سياق أبي داود الآتي كله ونسبه إلى ابن أبي حاتم وأخطأ في ذلك وانتقل بصره، والله أعلم.
(٤) ساقط من (ن) فصار الإسناد عنده: "أخبرنا ابن وهب ويحيى بن أزهر" وهو خطأ فاحش.
(٥) في (ن): "منها".
(٦) يشير المصنف إلى ما ذكره أبو داود في "رسالته إلى أهل مكة" يشرح لهم فيها طريقته في تصنيف "سننه" فقال (ص ٢٧، ٢٨): "وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد، فقد بينته، ومنه ما لا يصح سنده، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض". اهـ. ففهم جماعة من العلماء أن قول أبي داود: "وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح" معناه: أن ما سكت عنه فهو من قبيل الحسن. منهم المنذري، فقال في "الترغيب" (١/ ٨): "وكل حديث عزوته إلى أبي داود وسكت عنه فهو كما ذكر أبو داود، ولا ينزل عن درجة الحسن وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما". ومنهم النووي فقد ذكر حديثًا في "المجموع" (٤/ ٢٤١) ثم قال: "رواه أبو داود بإسناد جيد ولم يضعفه، ومذهبه أن ما لم يضعفه فهو عنده حسن". وصرح آخرون بمثل ذلك منهم ابن تيمية والعلائي والزركشي والعراقي، وقد علمنا يقينًا أن أبا داود سكت عن أحاديث منكرة وضعيفة جدًّا وضعيفة ساقطة عن حد الاعتبار بها، فلا يقال: هي صالحة يعني حسنة. وللنووي تفصيل في هذا الأمر فقال: "في"سنن أبي داود" أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها. والحق أن ما وجدناه في "سننه" مما لم يبينه، ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن، وإن نص على ضعفه من يعتمد عليه، أو رأى العارف في سنده ما يقتضي =