للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد فتن الناس في دينهم … وخلى ابن عفان شرًا طويلًا

وكذلك قوله تعالى، إخبارًا عن موسى حيث قال: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥] أي: ابتلاؤك واختبارك وامتحانك، ﴿تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾.

وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر، واستشهد له بالحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر (١) البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن عبد الله؛ قال: "من أتى كاهنًا أو ساحرًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ".

وهذا إسناد (صحيح) (٢). وله شواهد أخر.

وقوله تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ أي: فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر ما يتصرفون فيما يتصرفون من الأفاعيل المذمومة، ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف.

وهذا من صنيع الشياطين، كما رواه مسلم في "صحيحه" (٣)، من حديث الأعمش، عن (أبي سفيان) (٤) طلحة بن نافع، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي ؛ قال: "إن الشيطان (يضع) (٥) عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلةً أعظمهم عنده فتنةً، يجيءُ أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا؛ فيقول إبليس: لا، والله ما صنعت شيئًا! ويجيءُ أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله؛ قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه، ويقول: نعم (أنت) " (٦).

(٧) [ورجح شيخنا أبو الحجاج المزي فتح النون، وراجعته فثبت على ذلك، والمشهور عند النحاة الكسر، واحتج به بعضهم على جواز كون فاعل "نعم" مضمرًا؛ وهو قليل] (٧).

وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر، أو خلق أو نحو ذلك، أو عقد أو بغضة أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة.

والمرء: عبارة عن الرجل وتأنيثه امرأة، ويثنى كل منهما ولا يجمعان. والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قال سفيان (٨) الثوري: إلا بقضاء الله.


(١) أخرجه البزار في "مسنده" (١٩٣١ - البحر) عن أبي معاوية؛ وأبو القاسم البغوي في "مسند ابن الجعد" (٢٠٣٤) عن عبيدة بن حميد كلاهما عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن ابن مسعود موقوفًا عليه. وسنده صحيح كما قال المصنف.
(٢) في (ز) و (ض): "جيد".
(٣) في كتاب "صفات المنافقين" (٢٨١٣/ ٦٧) من طريق أبي معاوية، قال: حدثنا الأعمش به وفي آخره: "قال الأعمش": "أراه قال: فيلتزمه".
(٤) في (ن): "عن أبي سفيان عن طلحة بن نافع"؛ وقوله: "عن" زيادة مقحمة؛ لأن أبا سفيان هو طلحة بن نافع.
(٥) في (ن): "ليضع".
(٦) ساقط من (ج).
(٧) ساقط من (ج) و (ع) و (ل).
(٨) أخرجه ابن جرير (١٧٠٤). [وسنده صحيح].